عجيب ما نعيشه في زمن الحضارة والتقدم، زمن المؤسسات والهيئات والأنظمة ومنظمات الحقوق والدساتير والشرائع, هذا الزمن الذي كثيرا ما تباهت البشرية بتطوره وتقدمه المادي وطفراته العلمية المتلاحقة أصبح اليوم أبعد ما يكون عن معاني القيم الإنسانية النبيلة في ظل ما تابعناه من انتكاسة خطيرة لمبادئ الحق والعدالة وانتصار مهين لقوى الباطل والظلم في أروقة إحدى أهم المؤسسات الحقوقية التي تسعى لتحقيق العدل والإنصاف لبني البشر في هذا الكوكب.

إن ما حدث في مجلس الأمن في الفترة الماضية وفي قضية لا مجال فيها لأنصاف الحلول ليعد فعلا انتكاسة خطيرة للمبادئ والقيم الإنسانية، تضاف إلى سجل إخفاقاته المشهورة، ليس لاستخدام حق النقض من قبل الدولتين المشبوهتين في نواياهما من منع نصرة المظلومين والوقوف بجانب المقهورين فحسب، بل لأن العالم في ظل هذا التمدن والتحضر سمح بوجود مثل هذا النظام العقيم الذي يخول لدول مهما كان تقدمها وقوتها من مصادرة إجماع عالمي، وإحباط مشروع سلام لشعب ينزف أبناؤه أمام مرأى ومسمع العالم. هل يحق أخلاقيا وأدبيا أن نجعل مصير أمم وشعوب بيد قرار طائش له حساباته وإيديولوجياته دون إعادة نظر في هذا التشريع اللا أخلاقي؟ أيعقل أن يجمع العالم على تحقيق مصلحة ودفع مظلمة وينقض إجماعه صوت نشاز أو اثنان دون أن يكون لديهما الحجج والأدلة والبراهين التي تبرر هذه النزعة الشريرة للتلذذ بشقاء الغير؟

هذه المنظمة ـ وبهذه الأنظمة ـ لا يمكن أبدا أن ترقى بحياة الشعوب وتنصفها، بل على العكس تماما ستكون بهذه الآلية مصدر تعاسة وشقاء إذا ما ظل مصير الشعوب مرهونا بمصالح تلك الدول التي تملك ذلك الحق المهين في النقض.

إن أول خطوة في الطريق الصحيح لرفع هذا العبث هي أن تعيد هذه المنظمة العالمية المهمة صياغة أنظمتها بما يضمن حقوق الجميع، وتلغي هذا القرار، والحق غير المستحق لتلك الدول الخمس، بحيث يصبح عدد الأصوات هو الذي يعول عليه وتبنى عليه صياغة واتخاذ القرارات، أو على أقل تقدير أن يلغى هذا الباطل في حالة الإجماع ويبقى في حالة الترجيح إن لزم الأمر. لا يمكن أن تبقى حياة الشعوب ومصالحها في العالم أجمع مرهونة بمصالح دول خمس تلغي وتقر ما تشاء تبعا لمصلحتها دون اعتبار لمصالح وحقوق الآخرين، وما تلك المهازل التي تنبعث رائحتها من أروقة هيئة الأمم المتحدة بين الفينة والأخرى إلا دليل قاطع على أن هذا الحق في النقض بإطلاقه ما هو إلا قرار جائر صودرت بسببه حقوق أمم كثيرة كانت ضحية للعب سياسية مشبوهة.

إننا كدول عربية وإسلامية بحدودنا وشعوبنا ومواردنا نمثل قوة جغرافية واقتصادية وبشرية ضاربة، فإن لم نكن قادرين على فرض قراراتنا في هذا المجلس بما ندافع به عن مصالح أمتنا وشعوبنا فليكن لنا منظماتنا الخاصة بنا، نبحث فيها قضايانا ونبت فيها دون استشارة أو مساعدة من أحد، وبما يخدم مصالح أمتنا العربية والإسلامية ويحقق العدالة التي بها تحيا الشعوب وتقف سدا منيعا في وجه كل ظالم متجبر.

لا يخفى على أحد أن المصلحة هي فقط المصدر الوحيد الذي تستقي منها الدول الكبرى قراراتها، ولا اعتبار أبدا في قاموسها لأي مبدأ أو قيمة أخلاقية مهما كانت واضحة جلية، وبالتالي والحالة هذه فلا مناص من تقاطع قيمنا وأخلاقنا كدول عربية وإسلامية مع مصالحهم، فالواجب إذا أن يتحد المسلمون ويكون لهم مجلسهم الذي يناقشون فيه قضاياهم ويتخذون قرارات تخدم شعوبهم بعيدا عن مسرحية منظمة الأمم المتحدة ذات الفيتو المهين والمصالح الظالمة.