حقوق صغار مالكي الأسهم في الشركات المساهمة قضية قديمة متجددة.. ولا تكاد تخلو جمعية عمومية من صوت أو أصوات تطالب بتوفير صيغة أو وعاء يحفظ للصغار حقوقهم بما يؤثر في إدارة أموال الشركة ويضع الضوابط التي تحول دون هيمنة أصوات كبار المساهمين على توجهات الشركة أو استغلال إمكاناتها لتحقيق مصالح خاصة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
ومعروف أن كل شركة مساهمة تدار وفق نظام خاص مصرح به من الجهات التشريعية والرقابية الرسمية في إطار نظام الشركات المساهمة الذي يحدد الوضع القانوني للشركة ويمنح جمعيتها العمومية الصلاحية والسلطات.. وتعتبر الجمعيات العمومية صاحبة الصلاحيات المطلقة – ضمن النظام العام – التي تملك سن الأنظمة والصلاحيات وتفويض الجهاز التنفيذي الصلاحيات التي تمكنه من تسيير الشركة لتحقيق أغراضها.. وهذه السلطة المطلقة – نسبياً – هي التي تعطي مجالس الإدارة صلاحياتها وسلطاتها وحدود مسؤولياتها ومحاسبتها في حدود الصلاحيات الممنوحة.. ولأن التصويت في الجمعية العمومية - برلمان الشركات المساهمة – يتم بحسب ملكية الأسهم وتكتسب الأصوات ثقلها ووزنها بقدر ما تملكه من أسهم فقد ظلت الأصوات ترتفع لإيجاد صيغة تحفظ للصغار بعض "الحماية" مع الوسائل الكفيلة بتوفير العدالة اللازمة حتى لا تنحرف أعمال الشركة – بتأثير من بعض الملاك – إلى اتجاهات تحقق مصالح ذلك البعض.. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف – الشفافية – أقرت هيئة سوق المال - قبل سنتين – نظام الإفصاح عن أسماء من يملكون أكثر من 5% من أسهم أي شركة مساهمة لمزيد من دعم الضوابط والإجراءات التي تحمي حقوق الجميع. وقد استقبل المهتمون بأحوال السوق ذلك القرار بالترحيب لأنه يضفي المزيد من الشفافية على سوق الأسهم خاصة بعد الكارثة التي طالت الصغار ولم يسلم منها بعض الكبار. ومع إيجابية القرار والترحيب به لكن ظلت الأصوات ترتفع بين صغار المساهمين وتجدد مطالبتها بتوفير "صيغة" توحد أصواتهم وتمنحهم "ثقلاً" يجعل لأصواتهم وآرائهم تأثيرا في قرارات الشركات.. وزادت نبرة هذه المطالبة وعلا صوتها في السنوات الأخيرة بعد أن اتسعت دائرة الشركات المساهمة وأصبحت أكثر القنوات الاستثمارية تأثيرا في حياة صغار المساهمين وجدت في نشاطها ومصارف أموالها مجالات جديدة واتسعت مشاركتها الأعمال التي ليست من طبيعة نشاطها.. هذه المستجدات ودواعيها وما صاحبها من إنفاق مال الشركات دفعت صغار الملاك للتساؤل عن مدى صلاحية مجالس الإدارة؟ وأين حدود حقوق المساهمين؟ وما هو موقف نظام الشركات من هذا؟.. وكيف يمكن التوفيق بين منح مجالس الإدارات صلاحية التسيير دون إطلاق أياديهم في التصرف بأموال المساهمين دون العودة لهم.. وهل الصلاحيات التي تمنحها الجمعيات العمومية لمجالس الإدارات يمكنها أن تتجاوز الحقوق الأساسية التي يضمنها النظام العام أي الملكية الفردية وحق صاحب المال التصرف به؟. ومدى نظامية وشرعية تبرع مجالس الإدارة بأموال الشركات المساهمة للجمعيات الخيرة ومؤسسات النفع العام أو مجاملة بعض المتنفذين في التبرع لمشاريع تتمتع برعايتهم؟.. وهل لمجالس الإدارة الحق في أن تتصرف بأموال الملاك تحت عناوين: المسؤولية الاجتماعية والأعمال الخيرية والمشاركة الاجتماعية بدون التفويض الصريح بهذا الأمر؟.
من المعروف أن الشركات المساهمة منشآت تجارية هدفها الربح وأن مجالس إداراتها يفوضون لتحقيق أهدافها وفق النظام الخاص لكل شركة،.. وإذا رجعنا إلى نظام الشركات نجد المادة (73) التي تستند عليها صلاحية مجلس إدارة أي شركة مساهمة، تقول: "مع مراعاة الاختصاصات المقررة للجمعية العامة يكون لمجلس الإدارة أوسع السلطات في إدارة الشركة كما يكون له في حدود اختصاصه أن يفوض واحداً أو أكثر من أعضائه أو من غيرهم في مباشرة عمل أو أعمال معينة، على أنه لا يجوز لمجلس الإدارة عقد القروض التي تتجاوز آجالها ثلاث سنوات أو بيع عقارات الشركة أو رهنها أو بيع متجر الشركة أو رهنه أو إبراء ذمة مديني الشركة من التزاماتهم إلا إذا كان مصرحاً بذلك في نظام الشركة وبالشروط الواردة فيه.. وإذا لم يتضمن نظام الشركة أحكاماً في هذا الخصوص فلا يجوز للمجلس القيام بالتصرفات المذكورة إلا بإذن من الجمعية العامة العادية".
وهنا يلاحظ أن النظام العام "يقيد" تصرفات مجالس الإدارة في حقوق المساهمين ولا يطلقها بدون تحديد مفصل.. وهذا معناه أن ما يدخل في دائرة التصرف بالملك لا يتم إلا "بإذن" .. قد يقول البعض إن الجمعيات العمومية تبرئ ذمم أعضاء المجلس في ما يتعلق بالتبرعات والأموال المدفوعة في باب المسؤولية الاجتماعية ورعاية بعض الأنشطة الاجتماعية.. وإن هذا "الإبراء" يعد بمثابة إذن الأغلبية التي بموجبها تمنح الصلاحية، ولا عبرة لأصوات الأقلية!، فهل هذا من الناحية النظامية والشرعية صحيح؟ أم إن إبراء ذمة الأعضاء يتم بتصرف الأغلبية في "مالها" دون إجبار الأقلية على ذلك؟.
ليس خافياً على أحد صعوبة بل استحالة أخذ إذن كل واحد من ملاك الأسهم في الشركات المساهمة في كل عملية تتعلق بتفاعل الشركات مع مجتمعها، وبالتالي يتعذر وجود "الإجماع" الذي لا يعطل أعمال الشركة. وحتى تحفظ المصالح وتضمن الحقوق فإن المخرج هو إيجاد صيغة تجمع صغار المساهمين وتمكنهم من تفويض من يرعى مصالحهم داخل الجمعية العمومية برضاهم وقناعتهم.. فإذا صوتت هذه المجموعة أو الأفراد المختارون فإنهم يكونون "وكلاًء" شرعيين نظاميين يحق لهم التنازل والتبرع والمشاركة بحسب ما لديهم من تفويض. وهذا يزيل إشكالية التوفيق بين المرونة المطلوبة لعمل مجالس الإدارة وتقييد تصرفهم في الملكية الخاصة غير المنصوص عليها في النظام. وبصورة أخرى، إن وجود مجموعة أو أفراد يمثلون صغار المساهمين تمثيلا اختياريا يرفع عن مجالس الإدارات شبهة التصرف في المال الخاص بغير إذن أصحابه كما يوفر لها المرونة اللازمة لتسيير أعمال الشركة. قد يحتاج الأمر إلى تفاصيل إجرائية ونظامية لكن المتحدث عنه هو المبدأ: أي مشاركة أصحاب المال (مهما كان قدره) في الموافقة على منحه للغير.