الاتحاد العام لعلماء المسلمين مؤسسة أنشئت عام 2004 برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي، وأمينها العام هو الدكتور محمد سليم العوا الذي عرضت قناة BBC العربية حواراً معه في الأسبوع الماضي، حيث وجّه إليه المحاوِر كثيراً من الأسئلة الصعبة إلا سؤالا واحداً تمنيت لو سمعته حول دور اتحاد العلماء المسلمين في ظل تضارب الفتاوى للدرجة التي جعلت المجتمعات الإسلامية دائما في قاع المجتمعات، اللهم إلا إذا استثنينا تركيا، التي يسودها القانون العلماني .
لنأخذ نموذجاً على تضارب الفتاوى، تلك الفتاوى التي تحرم مشاركة المرأة للرجل في الحياة الاجتماعية والسياسية، وكمثال عليها ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط في عددها بتاريخ 20/4/2010 وحمل عنواناً بالبنط العريض "جدل بين علماء المسلمين الهنود حول مشاركة المسلمات في العمل السياسي"، وملخص الموضوع أن مشروع قانون تم تمريره يقضي بتخصيص مقاعد في البرلمان والمجالس التشريعية بنسبة 33%، وأعرب علماء الدين المسلمين النافذين عن اعتراضهم الشديد لهذا التخصيص محتجين بأنه يخالف الشريعة الإسلامية، وحسب الشرق الأوسط بعددها الصادر بتاريخ 15/6/2010 أصدرت دار العلوم (ديوباند) فتوى حديثة أنه لا يجوز للمرأة المسلمة العمل في أي مؤسسة حكومية أو خاصة تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء في مجال العمل.
في الخبرين ردود على هذه الفتاوى من علماء معتدلين ومن ناشطات في قضايا المرأة وحتى من نساء عاميات، فردّ المفتي الأكبر في كشمير أن مشاركة المرأة السياسية هي خطوة باتجاه تمكين المرأة، ومثله كان رد رئيس أقدم مدرسة إسلامية في لوكناو من أنه ليس ثمة خطأ بشأن مشاركة المرأة في الحياة السياسية وخوض الانتخابات؛ وقالت إحدى الناشطات:(من هو الذي ينبغي عليه أن يقدم المشورة حول ما نفعله وما لا نفعله؟ إنها مؤامرة من أصحاب المصالح الخاصة هدفها إبقاء المرأة بين أربعة جدران داخل المنزل تحت غطاء القيود الإسلامية على الرغم من أن ديننا يساوي بين الرجل والمرأة). وهذا يشبه ما كتبته وغيري حول فتاوى منع مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية. وتصف حبيبة التي تبيع الفاكهة على الرصيف في دلهي الفتوى بغير العملية، وأشارت إلى أن المرأة العاملة في الهند ستتجاهل الفتوى، لأنهم يصدرون هذه الفتاوى غير الواعية دون مراعاة لواقع المسلمين على الأرض. وكتعليق على كلام البائعة الأرضية أقول: أصابت امرأة وأخطأ المفتي.
هذه الأخبار والجدالات وحتى كلام البائعة "الأرضية" وحتى تعليقي يوجد مثله في كل البلاد الإسلامية التي ما زالت تمشي إلى الخلف بدل أن تسير إلى الأمام، والسبب هو فشلها في التوفيق بين الإسلام والقيم الحديثة، والسؤال المطروح على علماء التشدد في الهند: لماذا لا يتدخلون في الهند بموضوع المهر الذي تسوده عادة ليست من الإسلام أبدا ولا تتماشى مع فطرة الرجل ولا المرأة، حيث تعطي المرأة المهر للرجل بعكس شريعة الإسلام؟ وماذا عن الاهتمام بتحسين معيشة المرأة الفقيرة كي لا تعمل في الدعارة حتى لا تموت من الجوع هي وأولادها؟ أورد الخبر نفسه أن الشابات أنفسهن وقفن ضد فتاوى التشدد وقالت إحداهن:(لا أعلم ما الذي يجعلهم يعتقدون أن من الممكن أن تتوقف النساء عن العمل. وأنا لدي سؤال لهم: هل فكروا في طريقة ما لتحسين النظام الاقتصادي والاجتماعي للمسلمين في الهند؟) هذا الكلام ذكرته أيضاً وغيري في معرض انتقاد الفتاوى التي ترفض إعطاء المرأة حقوقها كمساوية للرجل في المجتمع.
هذا الفشل في التوفيق بين الإسلام والقيم الحديثة هو فشل مزمن ومتفش في كل العالم الإسلامي في كل مكان، اللهم إلا في تركيا، وربما في ماليزيا، وأما عندنا فليس أسهل من رفع فتاوى التحريم في وجه المرأة؛ ولو أخذنا نموذجا آخر عن تضارب الفتاوى بشأن الجهاد لما وجدنا الحال أفضل، ولكنه هنا لا ينعكس على المرأة مباشرة بل ينعكس على الشباب الذين يسهل استدراجهم إلى فخ الإرهاب تحت مسمى الجهاد، وقبل أن أكتب هذه المقالة دخلت موقع الاتحاد العام لعلماء المسلمين فإذا في صفحته الرئيسة فتوى الأزهر حول الجهاد من أجل تحرير فلسطين وهي صادرة عام 1956 أي منذ أكثر من نصف قرن، فهل تبقى هذه الفتوى ملزمة للمسلمين مثلا وكيف السبيل إلى تنفيذها؟ ولماذا لا يقوم أعضاء اتحاد علماء المسلمين بمحاولة تنفيذها كي يكونوا قدوة لباقي المسلمين؟ ثم ألا يرى العلماء الأكارم إلى أي حد استغلت القاعدة فتاوى الجهاد للدرجة التي بات قتل المدنيين أسهل من قتل حشرة، وإلى الدرجة التي قام بعض عناصرها بالصومال بقتل من اجتمعوا سراً ليتابعوا مباريات المونديال؟
أعلم أن السؤال حول فتوى الجهاد في فلسطين محرج للاتحاد حتى لو كان غير واقعي، ولكن فتاوى الجهاد لم تعد واقعية أيضاً، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإذا كان اتحاد علماء المسلمين قد يسر كثيراً من أمور المرأة عبر فتاوى تقدمية، لكنه في واد والفقهاء المتشددون حيال المرأة في واد آخر؛ ولهذا فإن ثمة إشكاليتين تواجه هذا الاتحاد: الأولى أنه لا يضم جميع علماء المسلمين، فمثلا ليس فيه من فقهاء السعودية إلا القليل وهم من المعتدلين في قضايا المرأة، والإشكالية الأخرى أننا لم نر له أي دور ملموس بعد مرور 6 سنوات على تأسيسه، ومع احترامنـا لكثير ممن يضمهم، فهو – ومع الاعتذار الشديد –
ليس إلا كبقية المنظمات الإسلامية والعربية التي ولدت ميتة!