كانت الاختبارات يوما تشكل رعبا للتلاميذ والطلبة، خاصة طلبة شهادات الابتدائي والمتوسطة والثانوية، كانوا يختبرون بالمناهج كاملة، وللفصلين معا، دون حذف، دون ملخصات تغرق الأسواق، وبالنسبة للغالبية خاصة من سكان القرى والهجر، دون معلمين خصوصيين، وفوق هذا وذاك كان عليهم أن يتوجهوا إلى مدارس أخرى حيث حددت اللجان، ثم الانتظار لتظهر النتائج، عملية كانت تطحن أعصاب الجميع، فترة يجند لها كل من في المنزل من أجل هذه الشهادة التي كانت تعني الكثير، خاصة لأسر لم يحدث أن حصل أحد أفرادها على شهادة من قبل، الكل كان يحلم بالوظيفة المحترمة لابنه وبعضهم لابنته، سلوكيات وطقوس تشكلت مع مرور الزمن، وأصبح من الصعب التخلص منها رغم التغيرات التي طرأت على ساحة التعليم ونسب البطالة في سوق العمل.
واليوم نجد أن هذه السلوكيات والطقوس ما زالت حية، رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على الاختبارات وتوزيع الدرجات، حتى عدد المواد المقررة قلص، وبعضها دمج، والبعض الآخر ألغي تماما، كما ألغيت شهادتا المتوسطة والابتدائية، ونجد أن المرحلة الابتدائية يتم فيها ما يسمى التقويم المستمر، أما بالنسبة للمراحل الباقية فقد قسم المنهج على فصلين دراسيين يختبر الطلاب في كل فصل على حدة، وأصبحت درجات أعمال السنة طوال العام من 70 والنهائي من 30 درجة فقط، إذا لماذا كل هذه الشوشرة وكأن الحرب قائمة في المدارس، في البيوت، وعلى الطلبة؟! أين كان الجميع طوال العام الدراسي من أجل تجميع الدرجات؟ لماذا مازلنا نضغط على الطلبة في اختبارات نهاية العام، ولماذا كل هذه الترتيبات والتجهيزات وكأن الطالب سيدخل معركة لا اختبار 30 درجة فقط؟ أليس بالإمكان أن يقوم معلم المادة في إعطائه بعد حصص المراجعة؟ ثم لماذا كل هذا الضغوط النفسية من غالبية الأهالي على أبنائهم في وقت يجب أن يركزوا فيه على اختبارات القدرات، والذي يشكل العامل الأقوى في القبول الجامعي؟ ألم يسمعوا عن أهميتها من قبل؟ لماذا لا يتم صرف كل المجهودات والموارد في تأهيل الطلبة لها ومنذ بداية المرحلة الثانوية، ومن داخل المدارس كي لا نضيف مصاريف على الأهالي في تسجيل أبنائهم في الدورات؟
تغيرات وتعميمات، وتقليص وفتق ورتق، ضغوط على المعلمين والمعلمات، ومطالبات لهم بمجاراة التغيرات دون تدريب يشمل الجميع والتأكد من تمكن الغالبية من مجاراة هذه التغيرات، وفوق ذلك نجد أن الكثير من الأهالي غافلون عن مستوى أبنائهم واحتياجاتهم النفسية قبل الأكاديمية، وفجأة يستيقظون في فترة يكون الطالب فيها في أمس الحاجة للهدوء والتفهم من الجميع، ويصبون عليهم التهديدات أو ينزل عليهم التودد والمسكنة ويطالبون أبناءهم برفع رأسهم وهم لم يقدموا المساعدة والدعم من الأول، بل منهم من لا يعرف عنوان مدرسة ابنه!
من المؤلم أن الطلبة أصبحوا حقل تجارب، وما يحدث معهم من جراء التغيرات والتعاميم، والتعليم دون المستوى، وانخفاض مستوى ما يقدم من أجل تأهيل الهيئة التعليمية والإدارية، والمباني غير المجهزة، وندرة مصادر التعلم، وفي أحيان كثيرة انعدام البيئة الصحية والسليمة، وفوق كل ذلك الضغوط النفسية، ليس سوى المأساة بعينها!