لم تتمالك أم حسن نفسها لدى رؤيتها وجه ابنها البكر بين عشرات الجثث المكدسة في ثلاجة مخصصة أصلا لحفظ اللحم المبرد في المشفى الوطني في تلبيسة، فانهارت وكادت تقع أرضا... كان عناصر الأمن اعتقلوا حسن العريس الجديد، قبل ثلاثة أيام من منزل العائلة. وتروي أم حسن (65 عاما) في منزل في قرية لبنانية قريبة من الحدود السورية في منطقة البقاع "دخلوا بيتنا في المساء، قيدوا ابني ثم اعتقلوه، ومنعنا عناصر أمن من الخروج إلى حين توارى الباقون به عن أنظارنا".
وتضيف "بعد ثلاثة أيام اتصلوا بي وطلبوا مني أن أذهب إلى المشفى الوطني لاستلامه، ففهمت أنه قضى".
وتتابع أم حسن "في أحد البرادات، بين الجثث المكدسة، كانت جثة ابني الأقرب إلى باب البراد، وفي رأسه إثر طلقة رصاص. عندما رأيت الجثة، لم أعد أستطيع الوقوف على قدمي". وتؤكد أم حسن أن ابنها البالغ من العمر 31 عاما "كان عريسا جديدا، ولا علاقة له بأي نشاط معارض"، وأن عائلات كثيرة في المدينة فقدت أبناءها من دون معرفة السبب. قبل أربعة أيام، قررت أم حسن الخروج من تلبيسة إلى لبنان مع أفراد عائلتها الآخرين بسبب صعوبة الوضع في المدينة. وتقول "الوضع صعب جدا، قصف يومي، والأمن يداهم منازل عديدة. أحرقوا بعض البيوت، وحطموا محتويات بعضها الآخر أو سرقوها... لقد فقدت ابنا رحمه الله، ولا أريد أن أفقد آخر".
في منزل آخر قريب، يروي خالد (28 سنة، عامل)، الذي انتقل قبل أيام إلى لبنان، وهو من تلبيسة أيضا، أن أحد أصدقائه أوقف على حاجز أمني عندما كان معه، ولم يعرف عنه شيئا منذ ذلك الوقت. ويقول "منذ شهرين ونصف تقريبا، كنت مع صديق لي من بابا عمرو في السيارة. أوقفنا حاجز للأمن، تركوني أذهب، وقالوا له أنت من بابا عمرو انزل. أخذوا منه الهاتف الجوال وأدخلوه إلى المركز". ويؤكد خالد أن عناصر الأمن السوري يوقفون "الشباب أما لاشتباههم في أنهم ناشطون أو ليعرفوا منهم أسماء الناشطين. وإذا كان الشاب المعتقل لا يعرف فعلا أي معلومات فقد لا يصدقونه ويقتلونه، وقد يصدقونه ويفرجون عنه. لا توجد قاعدة لهذا الأمر".
وفي بيت مؤلف من غرفتين قرب بلدة الفاكهة في البقاع، يقيم محمد (30 عاما) وعائلته المكونة من زوجته وأولاده الثلاثة إلى جانب ثلاث عائلات أخرى. وقد هرب محمد من حي بابا عمرو في حمص "قبل سقوطه" بيد القوات النظامية الخميس الماضي. في بابا عمرو، يروي محمد "كنا نلجأ إلى قبو واسع في المبنى الذي نقيم فيه للاحتماء من القصف"، مضيفا أن "طفلا في الشهر الثالث أو الرابع من عمره توفي في القبو معنا بسبب سوء التغذية". ويتابع "لم يعد يوجد في الحي أي محل لبيع المواد الغذائية، والجيش ضرب خزانات المياه".