عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهيئ الرأي العام الدولي في عهد الرئيس (بوش) لغزو العراق، حذرت في مقالات عديدة من النتائج السلبية الخطيرة على العراق والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد أشرت في إحدى هذه المقالات إلى أن الشعب العراقي سيجلب الدمار العسكري والاقتصادي على أكبر دولة في العالم، ويقلص هيمنتها التي تحولت إلى إمبراطورية بغياب المعسكر الشرقي، وتضاؤل قوة روسيا.
والسؤال.. ماذا حل بالعراق بعد الغزو وماذا حدث لأمريكا؟ الحسابات الأمريكية أن الشعب العراقي سوف يرحب بالغزو الأمريكي ويعتبرها قوة تحرير لا قوة احتلال ومن منطلق هذه الحسابات حلت الجيش العراقي وسرحت أفراده، كما حلت جميع القطاعات العسكرية الأخرى من شُرط واستخبارات وسلاح حدود وغيرها على أساس أن هذه القوات تدين (لصدام حسين) بالولاء وارتكاز قواتها على السنة من الشعب العراقي، وهي دراسة مغلوطة للخارطة الاجتماعية والسياسية للشعب العراقي، وقد (زيّن) ما يسمون أنفسهم بالمعارضة الشيعية لأمريكا اتخاذ هذه الخطوات المدمرة عليها وعلى العراق في آن واحد.
وقد بدأت القيادة الأمريكية بالتنسيق مع ثلة عتاة أهل التقية السياسية بإنشاء جيش جديد وقطاعات أخرى عسكرية جلها أو معظمها من الطائفتين الكردية والشيعية حيث تم إقناع الإدارة الأمريكية بأن هؤلاء أكثر ولاء لها من السنة. وقد وجد ذلك هوى ورغبة لدى قسم فاعل داخل البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية لكون المجموعة الإرهابية التي قامت بالعمل الإجرامي في 11 سبتمبر هم من السنة، وأن (بن لادن) نفسه سني، ولم تدرك الولايات المتحدة أن (بن لادن) ومن يتبعه هم نفرٌ مرقوا من الإسلام، ولا يمثلون السنة بأي حال من الأحوال، ولكن لتمرير مخططات إيران والتابعين لها في العراق تم إقناع أمريكا بذلك. والسؤال ماذا حصدت أمريكا من كل ذلك؟ ثارت المقاومة العراقية من ثالث يوم للاحتلال في وجه الولايات المتحدة الأمريكية وكبدتها آلاف القتلى والجرحى ومليارات الدولارات، وعجزت أمريكا وما استنبتته من قوات طائفية عن الوقوف في وجه المقاومة العراقية التي استطاعت أن تُفشل المشروع الأمريكي في العراق، والسؤال أيضاً لماذا أمريكا لم تعد دراسة حساباتها تجاه من غرروا بها؟ ومازالوا يغررون بها، وقدموا العراق هدية على طبق من ذهب لإيران على حساب الدماء العراقية والأمريكية، في ظل هذه التطورات صنعت أمريكا ما يسمى بالديموقراطية في العراق ومع هذا لم تستطع أمريكا حماية ما سمته بالديموقراطية، وهي مازالت دولة احتلال بحكم القانون الدولي والبند السابع من قرارات مجلس الأمن، لقد أجريت الانتخابات واحتكم الشعب العراقي لصناديق الاقتراع وفازت القائمة العراقية بالعدد الأكبر من الأصوات، والدستور الذي كتبه الأمريكيون يخول القائمة العراقية برئاسة مجلس الوزراء فما الذي حدث؟
الأحزاب الدينية الشيعية ترفض الاحتكام إلى الدستور وتلتف عليه وترفض التسليم بنتائج الانتخابات ودولة الاحتلال واقفة (فاغرة) فمها لا تستطيع حماية الديموقراطية التي فصلتها للعراقيين لأن إيران لا ترغب أن تتولى القائمة العراقية رئاسة مجلس الوزراء.
والسـؤال التـالي.. كيـف يثـق العرب في الولايـات المتحـدة الأمريكية؟
وإذا أخذنا إلى جانب هذا الطرح خطابات الرئيس الأمريكي ووعوده بالسلام للشعب الفلسطيني ثم عجزه فقط... فقط عن إيقاف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة بفلسطين ندرك كم هي تداعت وعود أمريكا كما تداعت قوتها وكرامتها ومن هنا يلعب (نتنياهو) و(نجاد إيران) في الملعب الأمريكي كما يشاءان فماذا بقي لما يسمى دول الاعتدال وهل بقي اعتدال في ظل تقاعس أمريكا عن أداء واجباتها؟!
لا أعتقد أن هناك دولة عربية لديها الرغبة أن تتحمل تبعات الأخطاء السياسية الأمريكية في المنطقة التي تنعكس سلباً على شعوبها، فالشعوب العربية لم تعد تثق في الوعود الأمريكية، والأنظمة الحاكمة تدرك نبض الشارع العربي المحبط ولا بد أن تلتقي مع اهتمامات ورغبات شعوبها لكونها جزءا لا يتجزأ منها.
أعتقد أن على الولايات المتحدة الأمريكية إعادة دراسة سياساتها في المنطقة، لعلها تعيد لها بعض المصداقية التي فقدتها بتصحيح الأمور في العراق، وإنصاف الشعب الفلسطيني من الظلم الذي يلحق به يومياً على يد الحكومة الإسرائيلية نازية هذا العصر.
ففي هذا كبح جماح التطرف في العالم الإسلامي الذي يتغذى على أخطاء السياسة الأمريكية في منطقتنا الذي بدأ يتهدد الأمن والاستقرار في العالمين العربي والإسلامي، ويدمر المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وقد يكون داخل أمريكا نفسها، فهل هناك راشدون في الإدارة الأمريكية؟!