راسلني صحفي إنجليزي اسمه ( ريتشارد سبنسر) وهو مراسل لصحيفة (الديلي تلجراف) في دبي متسائلا عن عبارة نشرت تحت اسمي في صحيفة (جلف نيوز) الإماراتية التي تصدر باللغة الإنجليزية. والموضوع يتحدث بلسان صحفية/ صحفي مجهول الاسم، ويزعم أني أرفع لواء حملة مع مجموعة من السعوديات شعارها ( إما تسمحوا لنا بقيادة سياراتنا، أو تسمحوا لنا بإرضاع سائقينا ليصبحوا أبناءنا ) وأن قرارنا يعتمد ويستخدم فتوى العبيكان المشهورة ! ولأن الصحفي الإنجليزي محترف ويعرف أصول المهنة، بعث مستفسرا ليتأكد من المصدر الأصلي، فكذبت ما نشر فيه جملة وتفصيلا ! بدأ الموضوع بي مقوسا كلمات ليست لي ـ ولا حتى مقتطعة من أحد مقالاتي ـ ، ثم عرج على أسماء نسائية أخرى إما مقتطعا من سياق مقالاتها أو ناسبا لها أقوالا !!
وقراء "الوطن" يعلمون أنني كتبت مقالة ساخرة أنتقد فيها الفتوى، وقلت إن أية فتوى عجائبية تقود بالضرورة إلى فهم أكثر عجائبية، ودللت بعبارة ساخرة لمعلقة افتراضية في صحيفة الرياض وبحملة افتراضية ساخرة، والفضاء الإلكتروني يحتشد بالمقولات والتعليقات الافتراضية الساخرة والكاريكاتيرات المتهكمة المتعلقة بهذه الفتوى! وفكرة المقالة في الجزء الأول منها فكرة ساخرة تماما لا يمكن أن تفهم خارج سياق السخرية والتندر والهزل!
وفي الجزء الثاني من مقالتي وضحت تماما معارضتي للفتوى، وقلت إن عصرنا يستدعي فقها مختلفا يعتمد المقاصد الكبرى للشريعة، ويغربل فيه موروث فقهاء ـ بشرـ لم يستطيعوا تجاوز الفقه النصي للفقه الفهمي! وأؤكد هنا أنني أرى أن هذه الفتوى تنتهج سد الذرائعية بفتح أبواب للذرائع أضر سبيلا، وهذا ديدن ثقافتنا الذكورية، فهي تسد الذرائع إذا ما تعلق الأمر باستحقاق للمرأة أو بمنفعة تجنيها، ثم لا تبالي بفتح الأبواب على مصراعيها لذرائع أنكى وأفظع !! وقد وضحت للصحفي الإنجليزي أن القيادة حق مشروع لنا لم يمنعنا ديننا الحنيف منه، بل عسرته الأعراف والعادات، ولن نطالب بهذا الحق عن طريق استخدام فتوى غريبة تمتهن المرأة وتحتقرها ! وأكدت له أنه رغم دعمي لموضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة، إلا أنني أرى أنها ليست القضية الأهم، فقضيتنا الأولى هي رفع الوصاية عنا والاعتراف بأهليتنا كاملة غير منقوصة، وبالحصول على هذا الحق نستطيع الحصول على حقوقنا الأخرى المنضوية تحته ـ ومنها قيادة المرأة للسيارة ـ والتي نجاهد أنا وزميلاتي الكاتبات لنفتح كوة في صخر ممانعاتها!
ولعلّ القراء الكرام الذين يتابعون طرحي يعرفون تماما أبعاد مشروعي الكتابي في قضية المرأة، والذي يعتمد تفكيك دونية المرأة، والمقولات المنتقصة من عقلها وقدراتها، أو تقسيم الأخلاق إلى نسائية ورجالية وخلافه مما يربك علاقة المرأة بذاتها وعلاقة المجتمع بها، كونها السبب الرئيس فيما تعانيه المرأة السعودية من مصاعب، بل ما يعانيه المجتمع برمته من جراء هذا الفهم المجحف الذي يقصي المرأة عن دائرة الفعل ويعطل نصف المجتمع عن المشاركة في التنمية! كما أكدت مرارا أن قضية المرأة لا يجب أن تفصل عن قضية الإنسان، فهي البوابة لنيل الإنسان بجنسيه حقوقه كونها الحلقة الأضعف منه !
حق قيادة المرأة للسيارة لا يأتي عبر استخدام الفتاوى الشاذة، ولكن يأتي عبر سن التشريعات والقوانين المدنية التي تقطع دابر الممانعات!