الاحتساب كلمة تفيد التقرب لله بعمل خير أو منع شر، ويجري استعمالها لدينا أحيانا بدلالات عكسية تقلب هدفها الخيري، إلى التدخل الملتوي تحت جنح التوترات الملتفة على الحق، لتجير لحسابات سياسية أو قمعية بل ولأجل عيون الأعراف الجاهلية المحاربة لوجود المرأة، فكيف بها وهي نائبة وزير.
والدليل أن رأس حربة المحتسبين وصاحب التنظيم الاحتسابي السري ذي الفروع العديدة باعترافه، وصاحب أبدع صرعة فتوى عصرية، محتسبا وجه الله فيها بهدم بيت الله منعا للإفك المبين "الاختلاط"! توجه بفوضى احتسابه مع عشرات المحتسبين أمام وزارة التربية والتعليم، ليعترضوا على مجموعة قرارات تنموية، وكأن الوزارة أتت منكرا من القرارات وزورا، واحتسابهم في حق من! في حق وزارة وزيرها مسؤول سعودي مسلم ملتزم بدينه وينتمي للأسرة الحاكمة، وعلى نائبته المشهود لها بالأمانة والنزاهة، مما يعكس التطاول الاحتسابي متواطئاً بشرّ ومشرعناً في صورة الحق المسلوب، والدين المنتهك، والقيم التي ضلت الطريق، فاحتسبوا ليردوا الحق لنصابه، فلحوا إن صدقوا!، إذ لم يكن سوى احتساب بغير حساب إلا تصفية حساب مع مراكز رئاسية، غمّهم أن تتولاها امرأة أثبتت وما زالت أهليتها النزيهة.
وأساس الاعتراض يمد جذوره الحقيقية من اعتراضهم على تعيين النائبة نورة الفايز والذي أقض مضاجع البؤساء وأثار حفيظتهم ليبرز خلال أقوالهم الميزوجينية ما يكشف عوراتهم الفكرية تجاه حق المرأة في المشاركة التنموية كرئيسة، وهو حق الولاية الذي قال تعالى عنه :"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"، وهو ما بينه على إثر الحركة الاحتسابية د/ سليمان الجربوع المستشار في قضايا الأسرة، إذ بدأ تصريحه بتبرير خروج أولئك المحتسبين "لاستهجانهم التصرف غير اللائق بامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر وتتقلد منصبا في وزارة هي من أهم الوزارات، بأن دخلت هي ومرافقاتها ومعهم مدير تعليم البنات بشكل لا يرضي الله تعالى إلى مدارس البنين في محافظة الزلفي بحجة النظر والاستفادة من التجهيزات.."، فهو إضافة للتعريض بنيتها يصف جهدها الموصوف بالأمانة إلى "ما لا يرضي الله ورسوله"؟!، وبعد استعراضه قائمة الاعتراضات يتحدث باسم الجميع بلا وجه حق قائلا:
"وإن الجميع يطالبون بأن يكون للوزارة تصحيح سريع، وأن يستشيروا سماحة المفتي العام للمملكة في كل صغيرة وكبيرة في الوزارة" وهو شأن الثيوقراطيين الذين يحاربون التغيير برد كل الأنشطة إلى مفت يقضي بها أو يرفضها، وكأن الجميع في مؤسساتهم لايفقهون دينهم ولا يحافظون عليه إلا بواسطة مفتٍ يبصم على قراراتهم ليمضيها أو يمنعها؟!
وينهي تصريحه بنصيحة مخاتلة يوجهها للأستاذة نورة الفايز، ممرراً انتقاده لقرار ولي الأمر حفظه الله بتوليتها، وكأنها من عيّن نفسها، "لقد كان دخولك في هذا المنصب مخالفة شرعية صريحة بقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهو هنا يلبس على الأمور التطويرية بدليل مخاتل مختطف من سياقاته ليهب دلالاته المنبتة عن مدلولاتها تأولاً اعتباطيا مجاوزاً حقله البياني والاستدلالي إلى اعتراضٍ على قرار ولي الأمر؟!
إن حقيقة زيارة الأستاذة نورة الفايز للزلفي جاءت استجابة لدعوة إحدى المدارس لحضور تطبيق خطة تعليمية، وكانت استجابتها والوفد المرافق لها باشتراط فصل ابتدائي واحد فقط لتطبيق الاستراتيجية والمدرس الذي سيقوم بالتجربة، وخلو المدرسة من الباقين، وهو أمر محمود لها إذ حرصها أوجب اتخاذ التدابير اللازمة للوقوف على التجربة بنفسها والتي لم يرها أصحاب العقول التشكيكية سوى مشوهة ترنو لربط تأثيمي لا يناسب المكان ولا البيئة، لكنها عقول ورثت التأثيم والتخوين والنظرة الجنسية التي يبررون بها إيقاف أو تعطيل كل ما يشتهون، وهي حيلة أظنها للعاجز غاية الحكمة!
ولأن معالي نائب وزير التربية والتعليم نورة الفايز نزعت لباس الوزارة الراكدة وقامت بمسؤوليتها بضمير المؤمن أقضت مضاجع المتشددين، فها هم يزمجرون ويؤلبون احتساباً لا لشيء إلا لأنها امرأة وأنعم بها من امرأة، تراعي دورها القيادي ومكانها المفصلي في تطوير ثقافة المجتمع ووعيه ونموه. ولمناقشة اعتراضات المحتسبين لا بد من وضعها في قائمة الإنجازات لنرى كيف يتم التأليب والوقوف ضد التقدم النسائي، وهو ما قاد تلك الحشود للاحتساب المرتهن للمزاجية الذكورية ليقلب الإنجازات انتهاكات.
اهتمت النائبة بدمج إدارات العموم، لترشيد الموارد المادية والبشرية بعد أن كانت جهودا مبعثرة، وفي ذلك تركيز للجهود وتوحيد للوائح التنظيمية، وتطبيق للمعايير المناسبة لتكافؤ الفرص على حسب الكفاءة والأهلية تحقيقا لمبدأ المساواة، واهتمت ببناء وتأهيل القادة من مديرات ومعلمات تمهيدا لمنح صلاحيات ذاتية لمديرات المدارس والقضاء على المركزية الضارة بالعملية التعليمية، وتقوم بزيارات ميدانية لمدارس المناطق لمتابعتها، وتقف بنفسها على المنشآت والتحقق مما تم إنشاؤه لإحلال المباني الحديثة مكان القديمة، وحرصت على إيجاد مدارس مستقلة لكل مرحلة دراسية وببيئة مادية وأنشطة وبرامج مناسبة لكل مرحلة، فنقلت المدارس الابتدائية في مبان مستقلة من منطلق تربوي سليم.
حصلت على جوائز عالمية، ففي الصين حازت على جائزة وتكريم للخطة التي وضعتها كأفضل مشروع قدم على مستوى الدول المشاركة في المؤتمر لإتاحة الفرص الوظيفية للمرأة، ولكونها امرأة مسلمة تتجلى أخلاق الإسلام في سلوكها وتؤمن بالعقيدة المنضبطة بالإيمان والمنطبقة على السلوك، ووعيها الحقوقي لم يكن شكلانياً بل مرتبطا بسلوكها وتطبيقاتها التي كانت بمثابة تدريب توعوي للآخرين على ثقافة الحقوق عن طريق التعلم بالقدوة.
فرضت تكامل العمل والرؤية الشمولية بين الأجهزة المتعددة، وتعقد اجتماعاً كل شهر بمديرات العموم لإحداث تكامل بين الإدارات وللتاكد من اطلاعها على الخطط والأنشطة للمساهمة في تكوين رؤى تكاملية وموحدة، وإحداث شمولية بين الأجهزة المتعددة في تعليم البنات، (العموم، الإشراف، النشاط، تقنية المعلومات، المتابعة، التجهيزات وغيرها)، وهي رؤية جديدة وهامة لم تسبق لأحد في الإدارة السابقة، ووضعت ضوابط للزيارات والجولات الميدانية لجميع العاملين لترشيد المصروفات المادية، فأوقفت كل أنواع التكريم المادي: كالدروع والحفلات والمآدب، وتقوم في زياراتها على مبدأ عدم الصرف إلا بما يخدم العملية التعليمية.
دعمت مشاركة الطالبات في جميع المنافسات العلمية مثل أولمبياد الرياضيات والكيمياء والفيزياء، والملتقيات الخاصة بالابتكار والإبداع في المنافسات الدولية والعلمية.
إن تجربة تدريس المعلمات في الفصول الأولية للصغار والتي ستعممها على المدارس الأهلية فالحكومية، والمعترض عليها المعترضون لاقت نجاحا مشهودا ومعترفا به في مدارس الرياض، بل إن الأهالي يفضلون تعليم المعلمات على المعلمين، نظرا لتباين التربية والتعامل وأفضليته عند المعلمات، مايشي بفضل التجربة الرائدة.
ولو أدخلنا الحجة في عيون المحتسبين فلن تتخلى عقولهم عن محاربة المرأة والتشكيك بأهليتها وإن ملأت مكانها بكفاءة، كأستاذتنا الفاضلة نورة الفايز.