في الزميلة/ "البيان" الإماراتية، كتب الأزمل منها الدكتور/ "سليمان الهتلان" يوم 7 /7 /2010م مقالة بعنوان: "راقصة خليجي/ المواطن الراقص"، عبر فيها عن دهشة "جنوبي" أصيل، فتح حواسَّه على "القزوعي"، و"الخطوة"، و"الزامل"، والعرضات التي تتشكل مع كل مناسبة، كالختان، والصلح، والحصاد، والأعراس، وغيرها، تلك الرقصات التي تمثل ـ بمشاركة النساء في بعضها ـ "الرجولة" في كل أحوالها، وفجأة يفتح عينيه "اليمرى" و"اليسنى" على ما سماها "جلسات الوناسة"؛ حيث "...تعرض رقصات ميوعة لذكور يتبارون في «هز الوسط» ولبس الثياب الضيقة، وحركات أخرى هي أكثر قرباً لثقافة «الجنس الثالث» من عرضاتنا أو رقصاتنا الشعبية الرجولية؟! ويضيف: "المضحك المبكي في «جلسات الوناسة» تلك، أن الراقصات «البنات» جلسن على الأرض ـ بأدب وثقل ـ بينما «الرجل الراقصة» يؤدي أدوارهن وسط الجلسة، وكأن هذا هو دوره الطبيعي في مثل هكذا مناسبة!"

ومع التحية الخالصة لهذه "الغيرة الجنوبية" على ما آل إليه فن "الرقص" من انحطاط لم يعرف له التاريخ العربي مثيلاً، إلا أن "جلسات الوناسة" المبتذلة، ليست جديدة، بل يمتد تاريخها إلى "طويس"، في نهاية الخلافة الراشدة، وتبلغ مداها في عصر الزميل/ "أبي نواس"؛ حيث يقرأ فيها "طه حسين" ثقافةً عريقة مردت على النفاق: فكثيرٌ من رواد "الوناسة" والداعمين لها، والمقيمين لها، هم مسؤولون، ومثقفون، ووجهاء، يرفضون الغناء والرقص علناً، ويحاربون المطربين والموسيقيين على الملأ في النهار، ويدفعون لهم في الليل ما يغريهم بابتذال فنهم وموسيقاهم بتقديم الـ"هشِّك.. بِشِّك" لـ"بسط الشلة"! وهو ما يفسر مسخ الرقص في رجرجة الأجساد بما يشتهيه "الذكر"! بل إن "الذكر" هو من يعلم الراقصات فنون "الميوعة"، كالآنسة "سوسو" في رواية "زقاق المدق" لـ"نجيب محفوظ"، وهو "الموديل" الذي جسده الفنان/ "حاتم ذو الفقار" باقتدار كبير في أحد أفلامه!

وهي الثقافة التي تواطأت عليها جميع العصور العربية، وأدت إلى عدم تطور الفن عموماً، إذ حصرته في اجتهادات فردية تموت مع يأس أصحابها أو موتهم، كتجربة المطرب والمسرحي الكبير/ "أبو خليل القبانـي" ـ عمو لـ"نزار" ـ إذ أهدرت "دمشق" دمه؛ ليضطر للهرب إلى "مصر" التي أنشأت معاهد للفنون، لكن "المنتج" ظل هو المتحكم بما يدفعه في السينما، والمسرح، والموسيقى، والطرب، ولا يحتاج النهار إلى دليل!

وهي الثقافة التي مازال الفنان/ "عبدالحليم كركلا" يقاومها منذ أسس فرقة الرقص الشهيرة باسمه أواخر الستينات، محاولاً تقديم هذا الفن في صورته الجمالية العلمية المعقدة، التي لا تعد بأي "وناسة"!