وبالتأكيد أستطيع اليوم أن أعرف ماذا يدور من أخبار في ساوباولو وفي ريودي جانيرو قبل أن أستطيع معرفة ماذا يدور في (النميص) أقرب الأحياء المجاورة. أقول هذا بعد أن قرأت ما قرأتموه من أن هيئة أو جمعية المهندسين السعوديين اكتشفت 600 شهادة مزورة لمثل ذلك العدد من المهندسين الذين استقدمناهم من كل حدب وصوب. وإذا ما عرفنا كواليس هذا الاكتشاف عرفنا أيضا سر مشاريعنا المترهلة والمتعثرة. المسألة لم تعد عبقرية لحسني البرزان ولا في المسافة ما بين إيطاليا والبرازيل، الكارثة أن الصفحة المقابلة للخبر السعيد بأعلاه تحمل خبرا لا يقل عنه سعادة وبهجة: أكثر من ألفي مهندس سعودي يكتبون ترشيحاتهم للوظيفة على موقع جدارة. ألفا مهندس على قائمة الانتظار بشهادات جامعية صحيحة ومن جامعاتنا المختلفة في مقابل 600 شهادة هندسية مضروبة.

وإذا ما أردنا أن نعرف ماذا في جزر القمر علينا أن نعرف ماذا في أرخبيل الفلبين. الخبر الثاني على الصفحة الثالثة من ذات (الجورنال) يتحدث عن عزم المجلس الاقتصادي الأعلى على منع الشركات المتعثرة في إكمال المشاريع الموكلة إليها من التقدم إلى مشاريع جديدة. والمضحك أن المجلس الاقتصادي العزيز ما زال في مرحلة العزم، وتليها بالضبط كما أعرف مرحلة دراسة الفكرة، تليها مرحلة إحالة الموضوع إلى لجنة داخلية لمزيد من التحليل، وبعدها، ولله الحمد والمنة، مرحلة اتخاذ القرار، وبالتأكيد ستتبعها على ورق البيروقراطية مرحلة تنفيذه، وهي مرحلة نادرا ما نصل إليها ولله الحمد على فضله. وعلى افتراض أننا سبحنا كل هذه المراحل العشر فما هي المرحلة الحادية عشرة حين نصل لنعرف ماذا في أرخبيل الفلبين: النتيجة أن البيضة المسلوقة ستؤكل على مائدة 600 مهندس مضروب بالتزوير بينما ألفا مهندس من أولادنا يتابعون ترشيحهم على موقع جدارة.

هذه المراحل العشر من المهزلة الإدارية لا تذكرني بشيء أكثر من صغيرنا (خلدون) وهو يسأل عن وجبة السحور ونحن لم نفطر بعد، فتجيبه أمه: "أول شيء أفطر وبعدين يحلها حلاّل". والكارثة أن هذا الصغير لا يختلف عن شلة المهندسين.

صيام مضروب وأكل على المكشوف في غرفة الألعاب، ومثل المهندسين يضحك علينا: أنا صائم.. سأحيله إلى المجلس الاقتصادي الأعلى أو إلى هيئة المهندسين.