لتوفير دخل لهم.. يلجأ عدد من العمالة غير النظامية –السائبة والهاربة- إلى الجرائم المختلفة سواء كانت أخلاقية أو جنائية، ويؤدي تكتلهم وإقامتهم بطرق عشوائية والتستر عليهم من بني جلدتهم أو المواطنين، إلى صعوبة الوصول إليهم حال ارتكاب الجرائم.

وحذرت الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، من تنامي ظاهرة هروب العمالة من أصحاب العمل، مشيرة أن الإشكاليات الظاهرة على السطح بأسواق العمل تتمثل في قضايا التوظيف وتوطين الوظائف وخلق فرص وظيفية ودعم القطاع الخاص ومحاربة التستر، إلا أن هروب العمالة وما يصحبها من إشكالات تأتي على رأس القائمة.

ودعت غرفة مكة وزارة العمل، بأن يكون على رأس أولوياتها معالجة الظاهرة، لما لها من آثار سلبية، مؤكدة أن الوطن والمواطنين بل وحتى المقيمين متضررون من الظاهرة، وذلك لأنها تمثل خسائر للمواطن الذي يتكفل بدفع كافة الرسوم الخاصة بالاستقدام ومن ثم يفقدها في لحظة دونما أي إلزام أو تعويض، كما أن المقيم يتضرر لأنه سيعامل في بعض الأحيان بمزيد من التدقيق والحرص وسوء الظن.

في الوقت ذاته.. أوضحت الجوازات إجراءات التعامل مع العمالة الهاربة حال التقدم ببلاغ من الكفيل من أخذ بصمة للعامل وخصائصة الحيوية حال قدومه.. مؤكدة إقرار العقوبات على العامل الهارب والمتستر عليه بحسب المخالفة التي تخص نظام الجوازات، أما ما يخص العمالة التي تحمل تأشيرات عمل ممنوحة من وزارة العمل فمرجعيتهم لمكاتب العمل.

احترام النظام

من جانبه، قال عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة ماهر جمال، الناطق الرسمي باسم المجلس "الوطن هو أكبر المتضررين من الممارسات المخالفة للأنظمة، ولا بد أن يعلم الجميع الوافد والمواطن أن الأنظمة يجب أن تحترم، ولا يصح أن يعالج كل فرد مشاكله من الزوايا التي يراها وبالطرق التي يراها، بل المطلوب اللجوء إلى النظام، حيث إذا تركنا الظاهرة تستفحل سيصعب حلها وسندخل في إشكاليات توطين وإشكاليات مزيد من نسب الجريمة وغيرها من القضايا الأخرى".

جرائم للعيش

ومن جانبه بين الناطق الإعلامي بشرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان، أن العمالة السائبة والهاربة والتي تقيم بطرق غير نظامية وليس لهم مرجع كالإقامة أو الهوية التي تحدد جنسيتهم أو كفلائهم أو جهة العمل التي ينتمون إليها، يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل مما يجعلهم يرتكبون عددا من الجرائم المختلفة سواء كانت أخلاقية أو جنائية لتوفير دخل لهم.

مؤكدا بأن تكتلتهم وإقامتهم بطرق عشوائية والتستر عليهم من بني جلدتهم أو المواطنين، يخلق نوعا من الصعوبة في الوصول غليهم في حال ارتكاب الجرائم.

مخالفة النظام

ويرى جمال، أن من الآثار السلبية لهروب العمالة الاستخفاف بمخالفتها للأنظمة، ويتابع "وهو الأمر الذي يتبعه خلق أسواق غير نظامية في كل الجوانب كالتهريب أثناء السفر والانتقال، المساعدة في غسيل الأموال لتهريب أموالهم عبرها، اللجوء إلى علاجات وعمليات طبية غير صحية مما يتسبب في انتشار أوبئة وأمراض بينما يسهل علاجها بالطرق الصحية النظيفة، هدر لمدخرات المواطنين ورجال الأعمال، تأخير تنفيذ المشروعات والالتزامات على المتعهدين والمقاولين، التشجيع على التستر."

بصمة.. للتعامل مع الهاربين

وفي ذات السياق أوضح المتحدث الرسمي بجوازات منطقة مكة المكرمة المقدم محمد الحسين، بأن العمالة الوافدة الفردية المنزلية، لهم قسم خاص في الجوازات "قسم الهروب" يتم فيه أخذ بصمة العامل وخصائصه الحيوية مسبقاً، وفي حال تقدم رب العمل "الكفيل" بالإبلاغ عن تغيب مكفوله عن العمل، يتم التنويه عنه في الحاسب الآلي، ولا يمكن تجديد إقامة العامل الهارب أو نقل خدماته لكفيل آخر.

لافتا إلى أنه في حالة القبض عليه في نقاط تفتيش تخص الجوازات، أو في حملات تفتيشية، يتم التعامل معهم وفقا للأنظمة المتبعة في إدارة الجوازات ولدى الجوازات أنظمة وتعليمات في إقرار العقوبات على العامل الهارب والمتستر عليه بحسب المخالفة التي تخص نظام الجوازات، أما ما يخص العمالة التي تحمل تأشيرات عمل ممنوحة من وزارة العمل فمرجعيتهم لمكاتب العمل.

عقوبات رادعة

ويعود جمال ليؤكد بأن على وزارة العمل أن تجرم الهروب وتضع عقوبات رادعة لمن يهرب من صاحب العمل، وأن تقوم بفرض المزيد من الإجراءات في نظام العمالة الوافدة للتخفيف من حجم الظاهرة التي باتت تؤرق المجتمع، مقترحا عددا من الحلول كـ"تغريم الهارب بنفس راتبه لصالح صاحب العمل عن عدد الأيام التي هرب فيها، عدم السفر إلا بعد الحصول على إخلاء طرف من صاحب العمل، عدم السماح بإصدار تصاريح ووثائق سفر من قبل السفارات إلا بعد إتمام العقوبات وتصفية الحقوق، يدفع العامل الهارب لخزينة الدولة 50 ريال عن كل يوم هروب وذلك لأن هناك تكاليف مترتبة على هروبه، والتأشير على بياناته بعدم الدخول للعمل لمدة لا تقل عن 3 سنوات." وأبان جمال، أن التعامل مع بلاغ هروب الوافد يجب أن يحمل صفة الجدية من قبل الجهات المسؤولة، حيث إن واقع الحال اليوم لا شيء سوى القيام بإجراءات الهروب وبعض المستندات والمطالبة بالتذكرة أن عثر عليه فقط، متسائلاً "هل هذا يعقل؟. وهل تذهب حقوق المواطن سدى من تكاليف استقدام ورواتب وتأمين طبي ورخص عمل ثم يهرب".

تطوير الأنظمة

وزاد جمال "من وجهة نظري يجب ألا يكتفي بتسجيل بلاغ الهروب كإجراء روتيني ضمن السجلات، بل تكون له إجراءات تعميمه بحيث يوقف الهارب بأي منفذ وفي أي لحظة، كما يجب تطوير أنظمة الحاسب للتسجيل والتوثيق، فمثلا يتم التفتيش على المستندات الثبوتية وعبر أجهزة ذكية محمولة يتم عمل مسح للباركود على إقامة الوافد فتعطي إشارة واضحة أنه هارب أم لا وهل عليه أية ملاحظات أم لا." وتابع جمال "يجب التنسيق مع جميع الدول بأن هذه الإجراءات في حال تعديلها وزيادة حجم الصرامة فيها فإنها نافذة وعلى رعاياها احترام هذه القوانين، وفي حال وجود أي إشكالية لدى الوافد فإن لديه طرقا نظامية للحصول على حقوقه أو المطالبة بها، كما يجب أن يكون هناك تمييز فيما بين الدول فيما يختص بالتعاون، فالدول التي تتعاون وتحث رعاياها على عدم الهرب واحترام الأنظمة يجب تمييز تعاملها فيما يخص الاستقدام منها والعكس بالعكس، وهذا سيشكل ضغطا من داخل الدول نفسها لطالما إننا نطالب بالنظام، لأن إيقاف أو تضييق الاستقدام من هذه الدول أو رفع تكلفة الاستقدام منها سيؤثر على اقتصادياتها، ومن ذلك الاستفادة من تجارب قياس التخلف من الدول فيما يخص الحج والعمرة والذي تمت السيطرة عليه بشكل كبير ثم تركت ثغرة التخلف عبر الهروب من صاحب العمل".

مسؤولية الكفيل

واستدرك عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية الناطق الرسمي باسم المجلس "على صاحب العمل أن يدرك بأن عليه التزامات تجاه المقيم والوافد وله حقوق ويحمل في بعض الجوانب المسؤولية عن الوافد، لذا من المهم وضع أنظمة صارمة لكل من يهرب من صاحب العمل ولا يعلم عنه شيئا، وكثيرا ما نسمع أن صاحب العمل لا يعطي المقيم حقوقه أو لا يوفيه حقه، وهنا نريد أن نكون عادلين ومنصفين ولكن في نفس الوقت ضمن الأطر النظامية، فلا يعني أن كل من لا يعجبه أي تصرف لصاحب العمل يقوم بالهروب، بل إذا خالف صاحب العمل العقد الذي بينه وبين المقيم له أن يتقدم إلى مكتب العمل والعمال أو أي جهة قانونية ويبلغ عما له، لكن الهرب والعمل بشكل غير نظامي بشتى أنواع المخالفات فهذا أمر غير مقبول". وأضاف جمال "من وجهة نظري والكثير من رجال الأعمال، إننا بحاجة إلى ترتيب الأولويات، صحيح أن لدينا مشكلة السعودة وتوطين العمالة، وصحيح أن لدينا مشكلة التستر، لكن السعودة مثلا تم البدء ببعض المعالجات لها وستأخذ وقتا حتى نصل إلى الهدف، لكن المهم أن هناك خطوات باتجاه تفعيل ومعالجة هذه القضية ومن ذلك برامج نطاقات وبرامج التدريب وحافز وغيرها، أما قضية التستر ففي بعض الأحيان يصعب كشفها وقد تتشابه مع عمليات توظيف فعلية، لذا فإن من القضايا الأكثر إلحاحا قضية هروب العمالة، فهي أحد أهم القضايا ذات الأولوية التي تحتاج إلى معالجة".

تطبيق الأنظمة

وأشار جمال، إلى أن أي دولة يهمها أن تسير ضمن حدود القانون، وأن يحترم كل مواطن أو وافد الأنظمة والقوانين دون تعنت، حيث إن ترك البعض يخالف الأنظمة دونما عقاب رادع سيحول معظم من يحترم النظام إلى مخالف للنظام، و إن تعود الفرد على مخالفة النظام تدفعه إلى مخالفة النظام في كثير من الأمور حتى يصبح السائد هو مخالفة النظام والغريب والشاذ هو من يحترم النظام.

وأردف جمال "تعود وتطبيع سلوك الأفراد على مخالفة النظام تحول المجتمع كله إلى مخالف للنظام، وهذا له سلبيات لا يمكن حصرها وتضخيم للظاهرة، كما أنه عندما يعتاد المجتمع على مخالفة النظام تنمو وتترعرع الفئات المتطفلة على تطبيق النظام فتطبقه على من تريد ولا تطبقه على من يقدم لها شيئا، وإذا انتشرت فئة المتطفلين هؤلاء يتحول ويكثر الفساد في المجتمع وهو آفة تدمر كل شيء حولها، ولفت جمال واصفاً المتطفلين بالقطط، إنها إذا كبرت تبدأ في تكوين عمل مؤسسي فاسد يتحرك على كل الأصعدة لتمرير ما تريد عبر شبكة أعمال لوجستية لتسهيل مهام بعضها البعض.