"الفلسفة لفظة يونانية مركبة من جزأين (فيلو) بمعنى (حبّ) و(سوفيا) بمعنى (حكمة)، أي أنها تعني في الأصل اليوناني، "حب الحكمة"، وقد تأتي بمعنى "طلب الحكمة" أيضاً، وليس امتلاكها"، ويعد الفيلسوف اليونانى "فيثاغورس" أول من استخدم لفظ فلسفة وحدد معناه بشكل تقريبي، لأن التعريف بمعنى التعريف المادي الصرف غير موجود إلى وقتنا هذا. وتستخدم كلمة الفلسفة في العصر الحديث للإشارة إلى السعي وراء المعرفة بخصوص مسائل جوهرية في حياة الإنسان ومنها الموت والحياة والواقع والمعاني والحقيقة، بل وفي كل شيء تقريباً. وتستخدم الكلمة ذاتها أيضاً للإشارة إلى ما أنتجه بعض كبار الفلاسفة من أعمال إنسانية فكرية مشتركة". ويُعد (سقراط) أعظم الفلاسفة الذين صنعوا مجداً مختلفاً لها، أثر فيما بعد على نقطة طرقتها الفلسفة، وقد قال عنه خطيب روما وكاتبها (ماركوس كيكِرو) والمعروف بـ شيشرون "إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض"، في مشهد اعترافي صريح بمنهج الفلسفة الذي تميز به أسلوب (سقراط) ثم تلامذته أمثال (أفلاطون وأرسطو). وإشارة واضحة إلى آلية التفكير السقراطي الذي اعتمد (العقل والمنطق) كمنهجين أساسيين للوصول إلى نوى كل الأشياء بشكل عام. وهذا قد أخرج الفلسفة من نطاقها المحدود والضيق الذي كانت تدور حوله وهو نطاق التأمل الكوني فقط، إلى أماكن أكثر رحابة وانطلاقا في فضاءات الفكر والبحث عن المعرفة بالطرق الفلسفية. لكن الفلسفة هي العلم الوحيد الذي لم تتصالح معه العقلية العربية الإسلامية على مر تاريخها وإلى يومنا هذا. على الرغم من عمق جذور علم الفلسفة التاريخي عالمياً. وهو العلم الذي يُسمى في القاموس الاصطلاحي العربي (علم الكلام).

وبشكل أو بآخر فقد اتخذت العقلية العربية الإسلامية موقفاً مجافياً للفلسفة التي ازدهرت في نهايات القرن الثاني الهجري. وهي الفترة التي تلت المؤلفات الدينية المهتمة بالعقيدة. حيث دار الجدل بين كثير من الفرق المهتمة بالذات الإلهية، والصفات والأوصاف والأسماء والماهية، فبرز التأمل أصل تعريف الإيمان والآخرة، والقدرية والجبرية...إلخ، التي وردت عليها في القرآن الكريم تحديداً. وأدى ذلك لظهور الفرق المذهبية المختلفة على ضوء الانفتاح الفكري الذي تمتعت به تلك الفترة من التاريخ الإسلامي. على الرغم من احتجاج البعض من استقدام الفلسفة إلى الذهنية العربية الإسلامية، كون (الفلسفة) قادمة أصلاً من عالم ذهني وثني، وبداية من عصر الترجمات الحقيقي في التاريخ الإسلامي (الفترة العباسية) من حكم (أبي جعفر المنصور والرشيد وصولاً إلى عهد المأمون)، للكتب الإغريقية الفلسفية إلى السريانية ثم إلى العربية.

يبرز (يعقوب ابن إسحاق الكندي) كأحد أعظم الفلاسفة العرب الذين أثروا المكتبة العربية في فترة تاريخية. إذ يقول الكندي عن الفلسفة: "إنها أشرف وأعلى العلوم الإنسانية. إنها علمُ الأشياء في حقيقتها بقدر ما يكون الإنسان قادرا على ذلك". ثم تجده يُعلن الحرب على أعداء الفلسفة بقوله: "إن معرفة الأشياء في حقيقتها (أي الفلسفة) تعني من جهة معرفة وحدانية الله وتعاليه، وتعني من جهة ثانية معرفة الفضيلة (أي نفس الفضيلة) التي كان الأنبياء قد تحدثوا عنها ودعونا لاتباعها. وبالتالي فلماذا تحاربون الفلسفة أيها الجهلة؟ ثم يُطل علينا (الفارابي) كأحد الفلاسفة البارزين غير أنه غلب عليه تقليد (أرسطو) في بعض أطروحاته. لكنه يُعد بحق رمزاً عظيماً لمنطق وذكاء العقلية الإسلامية ويشهد بذلك كتابه الرائع (كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي، وأرسطو طاليس)، محاولاً الجمع بين المثالية والواقعية لدى كلٍ منهما فكرياً. واليوم كما بالأمس لم تسلم الذهنية العربية الإسلامية من أحجار دعاة العداء الفكري للفلسفة. كما تعرض له الفيلسوف العربي الكبير (أبوالوليد محمد ابن رشد)، الذي يرى بأنه لا تعارض بين الدين والفلسفة، وأن الفضيلة لا تتم إلا في المجتمع، ثم إنه قال بقصرِ الخلود على عقل البشرية الجمعي الذي يغتني ويتطور من جيل إلى آخر. هذا الثراء المعرفي بالفلسفة قديماً كعلم أصيل من شأنه رسم معالم الطريق.

يقول صراحة بكسل العقلية العربية الإسلامية، وعدم جدية نزعتها في البحث عن حلول لنقاط وفواصل مسائلها وإشكالاتها الفكرية الحديثة المتوالية. وهذا دليل تاريخي يُنكر على القائلين بعجز الذهنية العربية على تناول العلوم الفلسفية بثقة.

إن المروجين لهذه الأطروحات إنما يدافعون عن منطقهم القاصر الذي ينطلقون منه، متناسين في الوقت ذاته أن ذلك الحجر غير المنطقي، يُعطل إلى حد كبير انطلاقة الفكر العربي الإسلامي كماً وكيفاً، ويسهم في وضعنا في مؤخرة الأمم والمجتمعات الإنسانية. خاصة في ظل تقارب الزمن العالمي، وتسارع الناتج المعرفي بموازاة الكم العلمي والفكري والاجتماعي والسياسي والمدني. ويجدر بنا أن نتنازل عن فكرة أحادية الفكر، لنقدم نموذجاً حديثاً عن القيم الخلاقة التي بالإمكان تقديمها للعالمين بوهج.