لا شك أن جهداً استثنائيا بالغاً يشغل مؤسسات الحكم في المملكة العربية السعودية التي وضعها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ذروة مسؤوليتها القومية والإسلامية – لا عن دور المملكة الإقليمي والدولي – ولكن إلى ما يتعداه من تحديات التاريخ خلال مرحلة هي الأخطر في مجمل التحولات المصيرية المعاصرة.

وليس من قبيل المجاملة اعتبار دعوة الملك لالتئام قمة إسلامية 26-27 رمضان المبارك أي بعد أيام قليلة – قريبا من بيت الله العتيق أعمق حالات الاستشعار الأخلاقي الذي تنزلت في سبيله رسالة الإسلام القائمة على وحدة الصف وتكامل قدرات الشعوب الإسلامية المعنية بإعلاء راية الحق وبناء مجتمع الكفاية وإحلال قيم السلام والشراكة والتناصح بين دول وشعوب الأمة الإسلامية، وإقامة موازين العدل والمساواة في تنظيم علاقات ولاة الأمر من الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء مع مواطنيهم.

ويأتي الحديث عن حجم التبعات المنوطة بمنظومة الحكم في هذا البلد الشقيق لضمان أعلى قدر ممكن من معدلات النجاح المنشود من انعقاد القمة الإسلامية انطلاقا من رؤية فاحصة للتطورات المحيطة بالمنطقة وتعقيداتها اللامتناهية لدرجة أن انعقاد قمة مكة الإسلامية يتزامن مع توقعات عربية ودولية تغلّب انتقال الصراع الدولي الراهن من صيغته السياسية والاقتصادية والأمنية المثارة بوسائط غير مباشرة – غرار كارثة الإبادة في سوريا – إلى نطاق المواجهة المباشرة وبما يترتب على هذا التكهن من مدخلات يشكل العرب والمسلمون أدواتها ووقودها فيما تتوقف مخرجات الصراع الدولي على فرض صيغ جديدة تحكي واقعاً مختلفا من موازين القوى واقتسام مناطق النفوذ والإذعان لمعادلة القوة وغلبة الأمر الواقع.

غير أن التعويل على جهد مؤسسات الحكم في المملكة لتأمين عوامل نجاح القمة لا يعني إعفاء النظم الإسلامية الأخرى من مسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية عن استثمار الجهد القطري وتحويله إلى طاقة ديناميكية جماعية تستوعب التحديات المصيرية وتتعاطى مع دعوة جلالته بنوايا حسنة حثت عليها رسالة الإسلام المطبوعة على التضامن وأداء واجب النصرة في الحق مصداقاً لحديث الرسول الأكرم وتوصيفه للمسلمين بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى أو هكذا قال.

وبحكم رعاية العاهل السعودي أعمال قمة الدول الإسلامية وما تحظى به قيادته من ثقة لدى معظم حكومات وشعوب العالم الإسلامي فإن أجندات القمة ستلامس – ولا ريب – أكثر الجراح نزفاً وربما أيقظت ذاهلاً، وذكرت غافلاً، وأعادت الثقة إلى الملايين ممن يمارسون طقوس التعبد كما لو أن علاقتهم بالإسلام مقطوعة الصلة عن ثوابت العدل ومقتضيات الدفاع المشترك عن مصالح الأمة وصد مهددات وجودها الاعتباري الكريم..

لقد ساءت أوضاع الأمة الإسلامية واتسعت مساحة الفجوات الفاصلة بين منظومة القيم الإسلامية النظرية من ناحية ونمط تفكير وممارسات المسلمين من ناحية ثانية بما يعادل الهوة العميقة التي يتعين ردمها لترميم جسور العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكوماتها المتخاذلة عن مواجهة ظواهر الاستبداد في أوساطها فلا هي حفظت دينها كما يجب ولا كسبت دنياها مثل ما ينبغي وبالمقابل فلا الحاكم (عدل فأمن فاستراح) أسوة بالخليفة العادل عمر بن الخطاب ولا الشعوب وجدت ضالتها وأحسنت تنشئة أجيالها لتتبرعم منها نواة الحكم الرشيد..

وفي المحصلة فإن الجزيئات الصغيرة غدت صخرة يقع الجميع تحت وطأتها حكاماً ومحكومين سنة وشيعة، فقراء وأغنياء، جمهوريين وملكيين، عرباً وفرساً، مهاجرين أو أنصارا، فالجميع تحت حد السكين سواء.. وإن تقدمت حصة البعض من الكارثة وتأخر نصيب البعض الآخر منها فذلك لا يغير من النتيجة شيئاً.

وهنا فليس المطلوب من قمة مكة اختراع الحلول السحرية لمعضلات الواقع وتراكماته التراجيدية المزرية ولا أن نثقل كاهلها بالآمال السفسطائية المتخيلة إذ ما من انتكاسة مروعة تفوق انكسار الآمال المزروعة فوق رمال متحركة .. ولهذا تغدو المشاركة الواسعة في أعمال القمة عنوانا عريضاً لنجاحات مستقبلية يعهدها المؤتمرون إلى لجان جادة ذات صلاحيات غير مقيدة خاصة ما يتعلق بتنقية مناخات الثقة بين حكومات العالم الإسلامي وتفعيل وإعادة هيكلة منظمات العمل الجماعي (المؤتمر الإسلامي) (رابطة العالم الإسلامي) وغيرهما من الاُطر المنهكة بفعل التقادم وحدة التموضع واضطراب الرؤية والأداء البيروقراطي الموسمي التقليدي..

سوف نقتصد في التفاؤل.. لكننا لن نستسلم لليأس وحسب القمة الإسلامية شرفاً التئامها في منعطف تاريخي حاسم نحتاج فيه إلى من يذكرنا وحدة العروبة والإسلام وإمكانية تحريك المياه الآسنة وتذويب الحواجز النفسية التي دفعت الجيل الأول من أبناء الأمة الإسلامية للتنازع فيما بينهم على إخوة سلمان الفارسي وما لبث الأمر غير قليل حتى جاءت الكلمة الفصل (سلمان منا آل البيت).. والسؤال الحاضر بإلحاح اليوم.. هل يدرك أحفاد بلال وأسباط سلمان هذه المكانة الرفيعة أم نجدهم أقرب إلى قوله تعالى: (وخلف من بعدهم قوم أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات) إلخ الآية ..إنه ليحز في النفس أن نستقبل القمة الإسلامية وملء حنايا المسلمين ابتهالات ضراعة إلى الله أن يبارك ويوحد شمل وكلمة أمة تذر الملح على جراحها النازفة!