آمل قبل القراءة أن نعطل جميعا آلة التصنيف ونطوي الأصبع السبابة ونضعها جانبا.

قبل عامين تقريبا بشرتنا وسائل الإعلام ببرنامج "الصقر الأولمبي" وتم الإعلان عن مكافآت مالية مغرية للمشاركين في الأولمبياد وأخرى أكثر إغراء لمن يحصل على ميداليات في مجالات الأولمبياد المختلفة، وكانت النتيجة أننا اليوم نشارك في الأولمبياد بتسعة عشر مشاركا يمثلون خمسة اتحادات وهي اتحاد الرماية والجودو والفروسية وألعاب القوى ورفع الأثقال، ولم تكن كرة القدم من الاتحادات المشاركة رغم كل هذه الميزانيات الضخمة التي تخصص لهذه اللعبة.

من هذه المشاركات لم تحقق المملكة حتى الآن سوى ميدالية واحدة من البرونز حققها فريق الفروسية، أما بقية المشاركات لم ترق حتى لأن تمثل مكانة المملكة ووزنها على مستوى العالم على الرغم من الزخم الإعلامي الذي صحب مشاركة المملكة النسائية الأولى في الأولمبياد، والتي كانت حسنتها الوحيدة (في نظري) هي إقرار سماح لعب الجودو بغطاء الرأس لمن يرى أن ذلك مستوفيا لشروط الحجاب وهو ما نعده نحن معشر القانونيين ميدالية غير مرئية حققتها المملكة عن دون قصد.

أود التوقف عند مشاركة عطار وشهرخاني قليلا ليس من باب التأييد للمشاركة ولا من باب التقليل من شأنها أو الرفض لها، إذ لا يهم الناس رأيي في هذا الباب وما دامتا قد شاركتا بإذن ولي الأمر فما يلحق من كلام في هذا الباب هو من سبيل السفسطة في رأيي.

حين أثار اتحاد الجودو الدولي الجدل حول مشاركة شهرخاني بالحجاب بدأت أبحث في المراشقات الكلامية بين جانبي المعارضة والتأييد للمشاركة النسائية للمملكة في الأولمبياد، فوجدتها كعادة كثير من المناقشات التي تخص المرأة مليئة بالتصنيف والفئوية بل وبعضها أيضا وصل لحد العنصرية التي أقصت إحدى لاعبات اليونان في الأولمبياد، لم أر إلا النذر القليل ممن يناقش الموضوع من الناحية النظامية، فحين كان النقاش عن الضوابط الشرعية للمشاركة كنت أتمنى أن يكون من ضمن النقاش ما هي طبيعة هذه الضوابط الشرعية ومدى توافقها مع القوانين واللوائح الدولية المتعلقة بهذه الألعاب.

كالعادة بقينا نناقش الموضوع بيننا ونسينا أن هنالك أمورا أخرى يجب أن نراعيها تتعلق بالأنظمة الدولية المتعلقة بهذه الألعاب، وكانت المفاجأة حين أعلن الاتحاد الدولي للجودو أن غطاء الرأس غير متوائم مع قوانين اللعبة لما يمكن أن يسببه من مخاطر على من يرتديه. لست مختصا بهذه اللعبة ولا أعلم شيئا عن أنظمتها ولكنني استغربت أننا حتى في هذه تركنا الموضوع دون أن يدرس قانونيا من قبل مختصين لتكون مناقشتنا حول الموضوع علمية ومؤصلة من الجانبين الشرعي والقانوني، أتصور أن جزءا كبيرا من الخسارة السريعة التي منيت بها شهرخاني كان سببه الضغط النفسي الذي شكله عليها هذا التنازع حولها ما بين رأيين في شرعية ما تفعل، وما بين رأيين في قانونيته، فضلا عن تلك الصيحات القميئة المليئة بالعنصرية التي أذكر أصحابها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين عير بلال بن رباح بقوله: "يا ابن السوداء"، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنك إمرؤ فيك جاهلية"! فلإن كانت هي مخالفة لمفهوم الكثير عن الحجاب فإن من أخذه الحماس بسبب مخالفتها حتى نزع إلى تلك العبارات العنصرية، فإنه ليس أقل منها مخالفة لهذا الأمر الشرعي بالبعد عنها.

ما زالت المواقف والأحداث التي تثير هذه النزعات الطائفية والعنصرية في مجتمعنا تتكرر بشكل لا يمثل ما يجب أن نكون فيه من لحمة وتآزر تحت راية وطن واحد وشعار واحد هو شعار التوحيد، ولهذا فإن هذه ليست المرة الأولى التي أكتب عن أهمية وضع نظام واضح وصارم وعقوبات محددة للحد من هذه العنصرية البغيضة التي تنخر في وطننا نخر السوس.

الأمر الثاني الذي يلزم تقنينه منذ الآن حتى لا يترك للاجتهادات الشخصية وتباين الآراء والمناهج والمذاهب، هو ممارسة المرأة للرياضة في المملكة، فما دام التوجه هو أن تتم ممارسة المرأة للرياضة فلا بد من وضع القواعد والأطر النظامية اللازمة لهذه الممارسة. ومن ضمن ما يجب تأطيره وتقنينه مفهوم الضوابط الشرعية لكي لا يترك الحبل على غاربه للطرفين ما بين ساع للرياضة ومانع لها، فمن حق الناس أن ترفض ممارسة بناتها للرياضة ولكن ليس من حقهم منع من أردن ذلك من الأغيار وليس من حقهم الانتقاص من مدى تدينهم والتزامهم، ما دام الأمر وفق الضوابط الشرعية المعرفة تعريفا دقيقا ووفق معايير النظام الموضوعة.

لا بد أن نفعل دور القانون والمناقشة العلمية لشتى المواضيع التي نعايشها والنوازل الاجتماعية التي تمر علينا من فترة لأخرى حتى نلم شملنا ونجمع شتاتنا لمصلحة الوطن وراية التوحيد.

تغريدة: الآلة التي أتمنى من كل قلبي أن تتعطل دون أن تصلح هي آلة التصنيف الطائفي والمذهبي!