من يتوقع أنه في مأمن من تقلبات الحياة وفتن الدنيا فهو واهم! ومن يظن أن بحبوحة العيش ستبقى للأبد فهو مجنون.. ألم يقل الله تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"؟ أمضيت عدة أيام بين ركام اللاجئين السوريين في الأردن، النازحين من جبروت وطغيان حاكمهم الذي اغتصب نساءهم، ونحر أطفالهم، وهدم بيوتهم، وما زال يواصل بشاعته التي تجاوزت بشاعة إسرائيل بمراحل.. بمشاركة إيران التي تضع اسم الله على علمها، وحزب الله الذي يصر على أنه حزب مجاهد في سبيل الله!

دخلت إلى مخيم "الزعتري" بسيارة تحمل شعار "الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا" وما إن تجاوزنا بوابة الدخول حتى رأيت ما يفطر القلب من مآس يعجز القلم عن تسطيرها، لأناس كانوا إلى عهد قريب يعيشون في أمن وأمان، مطمئنين في بيوتهم وبين أحبابهم. كان اللاجئون السوريون يتقاطرون إلى سيارتنا بابتسامة "عتب ومحبة".. فيما تردد ألسنتهم دعوة "الله يخليكم لنا". وما إن بدأت الحملة توزيع موادها الإغاثية حتى اكتشفنا أن بعضهم لم يشرب الماء البارد أو يأكل الطعام الجيد منذ أيام. دخل الدعم السعودي بزخم كبير ومشرف.

ما لفت نظري في حملتنا الضخمة أنها تقوم بقضها وقضيضها على "رجل واحد" يمسك بهاتفين في يده، ويعلق على كتفه حقيبة مليئة بالأوراق، ويهرول بين مكاتب مفوضية الأمم المتحدة، والسفارة السعودية، والسلطات الأردنية.. ثم يعود ليهرول مجدداً بين 43 شاحنة تحمل مواد الحملة ليرتب وقوفها وينظم توزيعها. منسق الحملة "يوسف الرحمة" هو ذلك الرجل.. وعلى الرغم من قيامه بكل تلك المهام باحترافية عالية ونشاط لا يفتر، وفوق كل ذلك ابتسامة إنسانية مشرقة؛ إلا أن قيامه وحده بكل ذلك العمل الجبار أمر لا يمكن استيعابه..!