من هم الرابحون، ومن هم الخاسرون في الشرق الأوسط؟ ولماذا ربح الرابحون، وخسر الخاسرون؟ بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 أصبح الشرق الأوسط فجأة الملعب الكبير لكثير من القوى العالمية. وأصبح اللاعبان فيه أميركا وإيران، بعد أن كانت إسرائيل، وفرنسا، وبريطانيا، في النصف الثاني من القرن العشرين.

والمباراة السياسية الكبرى خلال السنوات الماضية، بدءاً من الغزو الأميركي للعراق 2003، أصبحت أكثر إثارة، وأشد وطيساً، وأمتع تسلية لعشاق المباريات السياسية في الشرق الأوسط. وأصبح كل يوم يأتي بالجديد. كذلك فعل الطرف الآخر، الذي يشترك في هذه المباراة السياسية الكبرى، وهو أميركا. فأخبار أفغانستان وسورية، تثير فينا الآن شهوة تتبع الأخبار السياسية، بما هي مضجرة، ويائسة، وبائسة. ولكن هذه الشهوة تظل متقدة كل يوم، والحافز لتتبع الأخبار يظل دافعاً بشكل كبير، لأن ما يحدث في سورية مثلاً، ليس عادياً، ولا متكرراً في التاريخ العربي القديم والجديد. فسورية حالة استثنائية من حالات الثورة والتغيير، التي تجتاح العالم العربي الآن.

لا شكَّ أن إيران قد كسبت مواقع جديدة، خلال السنوات الماضية. ومظاهر ربحها يتجلّى في التالي:

1- أصبحت القوة الإقليمية المسيطرة في الشرق الأوسط.

2- ومثلما تدخلت إيران في العراق وسورية الآن، فقد فعلت الفعل نفسه في لبنان. وأصبح لبنان، وخاصة جنوبه، بواسطة حزبها القوي (حزب الله) والمسلح تسليحاً قوياً، قطعة استراتيجية من إيران، بحيث اعترفت أميركا مؤخراً، أن "حزب الله" هو أقوى تنظيم إرهابي في العالم.

3- قامت إيران بإنشاء تعاون استراتيجي وثيق بينها وبين سورية (حبل الوريد السابق إلى لبنان)، وخلعت سورية ثوبها القومي العربي المُدعَى، ولبست ثوباً فارسياً زاهياً، مزيناً بالذهب الفارسي العتيق. وبدت سورية (العَلْمانية) البيضاء والشقراء الجميلة، بالثياب الفارسية قبل 2011 أقوى من ذي قبل. فهي رغم الذل الذي (كسر خاطرها) في 2005 بانسحابها الفوري والإجباري من لبنان، ورغم الثورة الشعبية الحالية، إلا أنها بفضل إيران، أصبحت في لبنان أقوى مما كانت عليه قبل 2005، كما قال ذات مرة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع. وأصبحت سورية قبل 2011 بالنسبة لإيران هي الشوكة السادسة في الحلق الأميركي (الشوكات الخمس الأخرى: إيران، العراق، أفغانستان، لبنان، غزة "حماس"). وهذه الشوكات الخمس بالإضافة إلى الشوكة الإيرانية هي التي خنقت اللاعبين الأميركيين في الشرق الأوسط، أو كادت أن تخنقهم. ونتج عن ذلك ضعف السيطرة السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، رغم الوجود العسكري الهائل للقوات الأميركية في المنطقة.

إلا أن هذا الوجود العسكري لم يُخِفْ إيران، ولم يردعها، ولم يُقلل من استمرارها في فرض مزيد من سيطرتها.

4- رغم كل التحذيرات والعقوبات الدولية، التي سعت أميركا، وسعى الغرب، إلى فرضها على إيران بسبب ملفها النووي، الذي يسير بخطى ثابتة نحو امتلاك القنبلة النووية (المهدي المنتظر)، إلا أن إيران لم تردعها كل هذه القرارات، وتلك العقوبات، التي سخرت منها، وضربت بها عرض الحائط، ومضت بخطواتها النووية السريعة والمتحدية، فوق الأرض، وتحت الأرض، ومن خلال القُبل الكثيرة التي كانت تطبعها على وجنتي محمد البرادعي المدير العام السابق، لوكالة الطاقة الذرية الدولية في كل زيارة له لإيران، بحيث تُعمي عينيه عما يرى، ويقشع.

وبهذا وحده تستطيع إيران اليوم تصدير مبادئ الثورة الإيرانية إلى الخارج، وليس كما فعل الإمام الخميني، الذي ظن بالقوة العسكرية (الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988) وحدها يستطيع تصدير الثورة. فإيران اليوم، تستطيع تصدير الثورة إلى الخارج بأدوات جديدة هي: الدبلوماسية، والتحدي الكبير للقوى الغربية، والعلم والقوة النووية، والمال، واستغلال ضعف وهشاشة الأنظمة العربية، وتحويل الدول "العَلْمانية" إلى دول صديقة، وحليفة لها، وإنشاء المليشيات المسلحة تسليحاً هائلاً في العراق، ولبنان، وغزة "حماس".

من خلال هذه البانوراما السريعة، يتبين - حتى للغافل - أن الخاسر الأكبر مقابل إيران هو أميركا، التي دفعت في الشرق الأوسط من جيوب مواطنيها الفقراء والأغنياء مئات المليارات، وخسرت آلاف الجنود، القتلى والجرحى، ورغم ذلك خرجت خاسرة، يذمها الشرق أوسطيون – العرب خاصة - ذماً قبيحاً، أقبح من ذم الشاعر الحطيئة لنفسه. وأميركا فشلت، لأنها هي التي انجرت إلى المباراة على أرض أجنبية، فخسرت هذه المنازلة حتى الآن. وغفلت أميركا عن أن وجودها في قلب الشرق الأوسط وعلى حدود إيران (في العراق قبل 2012، وفي أفغانستان لاحقاً) العدو اللدود لأميركا منذ 1979، واشتباكها مع القضية الفلسطينية، وفشلها في إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة، قد أوقعها بسهولة، في الشباك الإيرانية المنسوجة بقوة، نسيج السجاد العجمي، وكانت نهاية المباراة، أو الربع ساعة الأخيرة من المباراة على النحو، الذي نراه كل يوم الآن!.