العقل نور معنوي في باطن الإنسان، يبصر به القلبُ أي النفس الإنسانية المطلوب، أي ما غاب عن الحواس بتأمله وتفكره بتوفيق الله تعالى بعد انتهاء إدراك الحواس، ولهذا قيل: بداية العقول نهاية المحسوسات، وهو نور في القلب يعرف الحق والباطل.

العقل هو طريق الإيمان فلا يقبل إيمان بدون عقل. والعقل المعني هنا هو ما يمتلكه الإنسان من طاقات إدراكية .. وجاء وصف العقل في القرآن الكريم في الآيات القرآنية لإعمال العقل الإنساني للرجال والنساء على حد سواء.

دينيا مسؤوليات المرأة مساوية لمسؤوليات الرجل الدينية والجنائية والتكليفية. "العقل" هو أساس التكاليف والمسؤوليات، والقرآن الكريم أثبت للمؤمن والمؤمنة كمال العقل، وانتقاصه مخالفة للقواعد والأصول التي تحكم الشريعة، إذ القاعدة: إذا أخذ الله ما وهب (العقل) عفا عما وجب مثل (الفرائض كالصلاة والمسؤولية عن الجرائم مثلا، وإذا انقض الله ما وهب انقض عما وجب.

القرآن الكريم يرينا كمال العقل عند المرأة، وورد في القرآن الكثير الشواهد كما عن الملكة بلقيس "قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون"، إذ بالرغم من أنها تملكهم بمعنى الملك عليهم، وأوتيت من كل شيء فإنها سألتهم الفتوى وبيان الرأي والمشاورة، وهو يدلل على كمال رأيها وتمام عقلها وحلمها ورشدها، ويستمر القصص القرآني في بيان هذه السمات للمرأة، إذ على الرغم من إجابتهم مستهزئين برسالة الملك سليمان بقولهم: "قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك..."، فإنها حكمت عقلها وبعثت إلى سليمان بهدية لمعرفة حقيقة أمره ولم تجنح إلى الحرب والقوة.

وقول ابنة شعيب لأبيها ليستأجر موسى "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"، كما يقول الزمخشري في كشافه، هو كلام حكيم جامع لا يزاد عليه. وهذه امرأة فرعون التي رأت في جوف تابوت موسى نورا ورأت في وجهه نسمة مباركة، وعندما هم آل فرعون بقتله قالت: "قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا". وهذه أم موسى التي أوحى الله إليها بإلقاء وليدها في اليم فامتثلت لهذا الأمر. وتلك المرأة التي نذرت ما في بطنها محررا له سبحانه فأضحت وابنها آية للناس. وفي الآيات القرآنية الكثير مما يؤكد على البعد العقلي للمرأة الحكيمة الرشيدة التي تمتلك العقل والفكر الحكيم. وهو مما يستدعي قول النبي عليه السلام: "ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي به صاحبه إلى هُدى أو يردّه عن ردى". وقال الحسن بن حمزة: العقل هو الذي استخلف النفس على سياسة البدن، واستشهد بقوله تعالى: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة".