الآن أصبح الإخوان المسلمون في مصر هم كل النظام وبمختلف أذرعه العسكرية والاقتصادية والخدمية، قد لا يكون ذلك على مستوى الانتماء الفكري لهم جميعا، لكن بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس مرسي بإحالة المشير طنطاوي والفريق عنان للتقاعد، يمكن القول إن الإخوان تخلصوا من كل ما كان يبدو على أنه عائق وتدخل من الماضي واستطاعوا الانفراد الآن بالساحة السياسية على كل المستويات، وهو واقع تفرضه اللعبة الديمقراطية، لكننا في الوقت ذاته أمام التجربة الأولى للإخوان المسلمين حكما ورئاسة، وأين؟ في مصر.

إنها أول تجربة حكم حقيقي وديمقراطي للإخوان المسلمين في العالم العربي، بعد أن ظلوا لسنوات عبارة عن جماعة وإن كانت الأضخم عربيا إلا أنها الأكثر تعرضا للمضايقات والحظر والتضييق، لكن الأيام أثبتت أن الإخوان استفادوا مليا من تلك التجربة الطويلة في الصراع مع الحكومات، وظلت جماعة الإخوان في مصر هي الملهم لكل فروع وجماعات الإخوان في العالم العربي، خاصة أن العمل السياسي جزء أصيل من فكرة وتشكيل الكيان الإخواني منذ بدايته وفي الأساس الذي وضعه حسن البنا للحركة كان يؤكد على أنهم ليسوا مجرد جماعة دعوية إسلامية، ولكنهم أيضا هيئة سياسية نتيجة لفهمهم العام للإسلام، وأن مشاركتهم السياسية تأتي من منطلق الإصلاح في الأمة وتطبيق لتعاليم الإسلام وأحكامه، بل إن حسن البنا نفسه ترشح في عام 1942 في انتخابات مجلس النواب المصري عن دائرة الإسماعيلية.

لا حاجة للقول إن الإخوان يعدون من القوى السياسية التي التحقت بالثورة، ولم تصنعها، بل لا مبالغة في القول إنها لم تسهم في إطلاقها، وإن كانت على المستوى الثقافي والوجداني قد استطاعت طيلة السنوات الماضية أن تسهم في ترسيخ صورة للنظام السابق على أنه نظام مستبد وقمعي، وهو ما جمع حولها كثيرا من المقهورين في الشارع المصري الذين رأوا فيها الكيان المعارض الكبير الذي تمكن من الصمود والمواجهة مع النظام.

أربكت الانتخابات الرئاسية الشارع المصري وجعلته بين خيارين كلاهما يدعو للقلق، الإخوان أو الفلول، لكن روح الانتقام والبحث عن الشعور الحقيقي للنصر جعل الكفة تميل لصالح المرشح الإخواني محمد مرسي الذي تم تنصيبه رئيسا، ومن حينها تحول الاهتمام الشعبي من قراءة ما سيحمله الرئيس الجديد إلى تضخيم فكرة المؤامرة الساعية لإفشال فترة رئاسته وللسيطرة عليها من قبل المجلس العسكري ومن قبل الفلول. ومن الواضح أن الإخوان قد استفادوا من تلك الفكرة لاستمالة الشارع ليتحول إلى داعم حقيقي لكل خطوة يقوم بها الرئيس مرسي من شأنها أن تخلصه من تلك القيود التي يمثلها المجلس العسكري وإعلانه الدستوري المكمل. وهو ما حدث بالفعل.

هذا هو الصواب المخيف، فما قام به الرئيس مرسي كان عملا دستوريا ووفق سلطاته وصلاحياته التي يمتلكها كرئيس منتخب للجمهورية، لتصبح مصر الآن أمام لحظة امتحان حقيقية لهذه التجربة التي تدشن حقا ما يعرف بالجمهورية الثالثة.

أبرز ما في هذه الإجراءات، أنها أخرجت الرئيس مرسي من حيز الرئيس المنتخب المتعاطف معه شعبيا إلى حيز الرئيس المساءل عن وعوده وعن إنجازاته، فلم يعد ممكنا اتهام طرف آخر، لا من المجلس ولا من الفلول، على أنه هو الذي يعطل مشروع الرئيس، ولم يعد من مبرر الآن لاستمالة الشارع إلا الإنجازات الحقيقية التي ينتظرها كل المصريين، فكل الذين في الفريق الرئاسي وفي السلطة هم من اختيار الرئيس مرسي، وكل العوائق التي كانت مبررا لأي إخفاق قد انتهت الآن، ليصبح الميدان للحظة، لا للتنصيب الجديد، بل للمساءلة الحقيقية.

القضايا السياسية في مصر هي نوع من صراع النخب ووسائل الإعلام، والتي قد تستخدمها لإقناع المواطن العادي أن ثمة قوى في الدولة لا تريد لمشروع الثورة أن يتحقق، هذه الصورة تراجعت الآن كثيرا، فلم يعد ثمة صراع في السلطة، فكل شيء بيد (الريس) الآن، والشارع المصري يعيش حالة من الترقب المستمر، وسيتحول لقوة ضاغطة على الرئيس وفريقه الرئاسي لإنجاز كل وعودهم.

على المستوى الخارجي، يكمن خطر آخر. على الرئيس أن يتخلى عن أدبيات الجماعة وقيمها السياسية العابرة للحدود، لأنه باختصار رئيس لمصر عن الشعب المصري، وليس رئيسا للإخوان بتفويض من المرشد.