مسلسل "الخواجة عبدالقادر" من أهم المسلسلات الرمضانية لهذا العام، جاء في مضمون درامي جديد عبر قالب روحاني، بعيدا عن المباشرة، ومتبلورا عبر نص مُحكم اللغة والحبكة، في إخراج ممتع وصورة صافية معبرة، وأداء تمثيلي لا يمكن المزايدة عليه، لكون البطل يحيى الفخراني، الذي يدهشنا دائما في تجسيد شخصياته. المسلسل نجح بالتغلغل إلى العمق الفكري فنيا بفلسفة صوفية، ولا أتحدث عن المبادئ الصوفية كمذهب، والتي أختلف مع بعضها، بل أقصد التأثر التقني برؤية فلسفية فنية، وما لفت نظري هو النص الذي ألهم الصورة والأداء والإخراج ليكون كما شاهدناه، وكاتبه المبدع المصري عبدالرحيم كمال، قد اهتم المؤلف والمخرج بالتفاصيل، سر نجاح المسلسل، وهو ما يغيب كثيرا عن معظم كتاب الأعمال الدرامية اليوم، إذ تعلو في نصوص الكثيرين سطحية، تبدو واضحة أثناء تنفيذ ومشاهدة العمل دراميا، ومع الأسف تغيب أكثر فأكثر عن المسلسلات الخليجية. لقد اهتم بالتفاصيل بذكاء فني في ظل استخدام تقنية "الفلاش باك"، وهي تقنية صعبة حين يتم استخدامها دراميا في ثلاثين حلقة، خلال المزج بين أحداث في الحرب العالمية الثانية، وأحداث معاصرة لصُنع تلك المفارقة الفكرية والنفسية بين جيلين، وعبر شخصيتين "عبدالقادر" الخواجة الذي أسلم في آخر عمره، ليحب الله حبا عظيما من قلبه، لكن ذلك لا يظهر في شكله، فهو غير ملتح ويسمع الموسيقى، ويتجنب الشيوخ المنافقين، ولا يصلي رياء، ولا يتردد في قول الحقيقة، وإن كانت ضد مصلحته، هذا كله على عكس "عبدالقادر" الشاب الذي تسمى باسمه، وولد مسلما، وشب متدينا ثم تشدد والتحى، وحين مرّ بمحنة تخلى عن ذلك ليرتدي رداء المتاجرة بالدين والنفاق، وتحول إلى خطيب له أشرطة ويفتي الناس، وهو لم يكمل حتى الجامعة!

ما لفت انتباهي أيضا، اهتمام المؤلف بفلسفة الأسماء التي بدت بالغة الدقة مع الشخوص الرئيسة في المسلسل، وتمنيت أنه اهتم بجميع أسماء الشخصيات، حتى الهامشية، فاسم الخواجة "عبدالقادر" لم يأت من فراغ، فمن أولى الحلقات وللنهاية يرى المشاهد قدرة الله تعالى معه، وكيف هداه من الضلال إلى الرشد حتى يتغير تماما، وكيف حماه من الكائدين، بل وتتجلى قدرته حين يلجأ الخواجة إليه في أشد الظروف ليخرج سليما على غير المتوقع. أيضا اسم "عبدالظاهر" العمدة الذي يخفي نوايا الشر والكيد لأجل المال والمناصب، ويستخدم شيخا منافقا ليسوق ظلمه للناس باسم الدين، لكنه ينسى أنه عبد "الظاهر" على الغيب وعلى كل شيء وما يخفيه قلبه من شر وحقد ومتاجرة بالدين، حتى ينتهي نهاية بائسة، وذات الإسقاطات تجدها دراميا في أسماء فضل الله، وكمال،... ولا يقوم بذلك إلا كاتب عميق الرؤية.

أخيرا، المسلسل عميق وفيه الكثير مما يمكن تناوله، فقد أظهر كم نحن بحاجة لهكذا أعمال درامية واعية بإنسانية نبيلة.