قبل العيد بيومين بإمكانك أن تشهد انخفاضا واسعا في مستوى الزحام في شوارع الرياض، والشارع الذي يمثل بالنسبة لي ولغيري معيارا على ذلك هو طريق الملك فهد، فقد بات أشبه بـ"ترمومتر" حقيقي لمستوى الزحام في العاصمة، فلقد سافر كل من يستطيع السفر، وكثيرون حملوا سهرهم ونومهم وتوزعوا في عواصم قريبة غالبا، فـ"دبي" تكاد تمتلئ عن آخرها بمئات الآلاف من الأسر السعودية، فيما يقول مدير جسر الملك فهد إن ما يقارب من سبعين ألف سعودي يعبرون يوميا إلى البحرين منذ بداية العيد.

هذا ليس كل شيء، فالواقع يؤكد أن الذين لا يسافرون في إجازات العيد باتوا يمثلون نسبة متزايدة من السعوديين وخصوصا أولئك الذين استنفدوا طاقاتهم وميزانيتهم في السفر مع بداية الإجازة الصيفية وقبل دخول شهر رمضان، مما يعني أن المدن الكبرى تظل في العيد مكتظة بالناس، وليس من المبالغة القول إن كثيرا من تلك المدن أصبحت تتسم بنوع من الجذب في إجازات العيد بعد أن أصبحت الفعاليات الترفيهية المقدمة جزءا أساسيا من برامج العيد في كثير من المدن وعلى رأسها الرياض.

على امتداد السنوات الماضية استطاعت مدينة الرياض أن تحقق مستويات مدهشة من الجذب والترفيه في فترة العيد، وكان لأمين الرياض السابق الأمير عبدالعزيز بن عياف دور واضح ومشهود وتجربة رائدة في هذا الجانب، ففي فترة العيد كانت تتحول أمانة الرياض إلى جهة تقوم بالكثير من الأدوار الثقافية والرياضية والفنية، وتدير أكثر من خمسة عشر موقعا للاحتفالات في مختلف أحياء ومناطق العاصمة. وهو ما استمر هذا العام وامتلأت به كل أيام العيد في العاصمة.

تلك التجربة صنعت واقعا جديدا في العيد، وأثبتت أن الفرح والترفيه صناعة لها زبائنها ومقدراتها والباحثون عنها، وأن ما قد يحدث من معارضة لتلك الفعاليات لم يعد يمثل إلا مواقف فردية تأخذ اتساع مجالها من اعتمادها في الإنكار على ما تراه في تلك الاحتفالات والفعاليات على أنه محظور شرعي، لكن التجربة أثبتت أن شيئا من ذلك لم يعد يحظى بأي استجابة من قبل الناس.

إن واقع الحياة في المدينة الحديثة يفرض عليها أن تكون مدينة مليئة بالخيارات، والناس هم من يحددون موقفهم من هذا الخيار أو ذلك، فالتنوع في المدينة الحديثة على مستوى الناس وطبقاتهم وذهنياتهم يفترض به أن يوجد تنوعا على مستوى ما يتطلعون إليه ويأنسون به من فعاليات ومراكز وتسوق واحتفالات وأماكن عامة، والذي يدير كل ذلك هو النظام العام، فهو الذي يضع حدودا لكل تلك الخيارات ويجعلها منضبطة بالضابط القانوني الذي يتحول مع الوقت إلى ثقافة عامة يصبح الالتزام بها جزءا من الذهنية العامة لسكان المدينة الحديثة.

يرتبط الترفيه بالمدينة الحديثة كجزء أصيل من شخصيتها، إذ يمثل جانبا من شخصية المدينة وغالبا ما يكون للترفيه شخصية ثقافية واضحة تنبثق من شخصية المدينة وتاريخها وامتدادها الحضاري، فالمتاحف والمسارح والميادين العامة في كل مدينة إنما هي الوجه الثقافي للمدينة، وبالتالي فنحن أمام ثقافة حقيقية، إما أن تشير إلى عراقة المدينة كما هو مشاهد في كثير من المدن والعواصم العالمية، أو تشير إلى حداثة المدينة ونهضتها كما هو الحال في مدن مثل الرياض ودبي، مما يعني أن الخطأ الأبرز يحدث عندما تتعامل مدينة من المدن مع الترفيه على أنه مجرد فعاليات عابرة مرتبطة بالمواسم والمناسبات. بل هو جزء من روح المدينة وحضارتها وثقافتها.

لقد استطاعت الرياض أن تجعل من الترفيه عامل جذب مؤثر ومهم في واقعها، ومن خلال الإقبال الواسع من الناس على كل تلك الفعاليات.

لا بد أن تتواجه العاصمة مع السؤال الذي يتحول فيه الترفيه من فترة وحدث إلى صناعة مستمرة وقائمة، فالترفيه أحد أذرع التنمية وأحد الأوجه التي تؤكد عص`رية المدينة وتطورها.