يسقط المثقف والكاتب حين يظهر في برنامج تلفزيوني لا علاقة له به، خصوصاً حين يكون المعجبون بكتاباته على موعد مع حديث يرونه فيه كما يرون مقالاته وينتظرونه كل صباح. هناك العديد من الكتاب الصحافيين يكتبون أفضل مما يتحدثون، وبعضهم لا يستطيع مجاراة الأسئلة المفاجئة. وبين هذا وذاك يكون الظهور التلفزيوني أحياناً محرقاً للمثقف أكثر مما هو إيجابي في سيرته الذاتية.
الدكتور عبدالرحمن الحبيب، المثقف النشط، أنموذج للكاتب المثقف الذي يؤمن بالقضايا دون مزايدة. حين يبتسم أثناء أحاديثه التلفزيونية في أي لقاء وكأنه يبعث برسائل للمذيع مفادها: لا تحاول استفزازي، حاول التركيز على القضية. الدكتور الحبيب متخصص في الزراعة ولكنه نهم في القراءة والنقد والمشاركة في الجماعات الفلسفية والأنشطة الأدبية، وما يمكن أن يستفاد من تجربة استضافته تلفزيونياً أنه يعتبر محايداً مع الحقيقة أياً كانت.
ضرب الدكتور عبدالرحمن كمثال، يأتي بعد أن عجت الفضائيات بأنواع المثقفين المزايدين في كل القضايا، المتحدثين باسم حقوق الإنسان والإنسانية والليبرالية وهم أبعد الناس عنها. يفجرون أثناء الخصومة ويحملون في قلوبهم بقعاً سوداء من الحقد ضد الخصوم. ولكن الإشكالية ليست فيهم، بل في من أتاح لهم التجربة الفضائية في أن يعبروا عن التناقض ويحصلوا على كميات من التأييد والمعارضة رغم أنهم لا يستحقون سوى أن يكونوا في خانة التصويت الإلكتروني فقط.
حين قال عبدالله القصيمي "إن العرب ظاهرة صوتية" لم يكذب، وليته أضاف إلى ذلك أن المثقف التلفزيوني هو أزمة العرب الصوتية والفكرية حقاً. أزمة في الادعاء وأزمة في التعبير عن هموم من وثقوا به وسلموه زمام أمورهم وهمومهم للحديث عنها، فتكون تصفية الحسابات ونسف مبادئ الحرية الحقيقية والحوار، وكل ذلك فقط من أجل تسجيل انتصار تلفزيوني مدته دقائق معدودة، سيطير به النزقون فرحاً لأسابيع معدودة وأحياناً أياما، ثم ينتهي كل شيء.
كل ما سبق الحديث عنه، الوحيدون الذين يستطيعون إيقافه هم معدو البرامج التلفزيونية، حين يؤمنون بالرسالة الإعلامية، وأن البرنامج الذي أوكلوا مهمة إعداده ليس فقط مجرد ضيف يؤتى به لملء فراغ، يكون فيه الرابح الأكبر هو مزايد عن قضايا قد لا يؤمن بها حتى.