أحدثت فكرة انتظار المُخلِّص جدلا عبر العصور، فهي إحدى أهم مسلمات الشعوب. الكل ينتظر مخلصه، الجميع بدون استثناء ينتظر "السوبرمان" الذي سينقذه من عذاباته ويغير واقعه المأزوم، ولعل زمننا هذا من أكثر الأزمنة المأزومة بكل أوجاع الإنسانية وانسحاقها ومن أكثرها شغفا لانتظار مخلصها. ولهذا يتوق العالم سراً وعلانية إلى منقذ يخلصه من الظلم والضعف.
إن هذه الفكرة لم تتولد من فراغ، فما من ديانة من الأديان في أمة من الأمم إلا وهي تؤمن بالمخلص. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا أغلب الأديان والأمم لديهم فكرة انتظار المخلص؟ فكرة الخلاص أو الحاجة إلى من يخلص الأمة مما آل إليه حالها هي أحد الأسباب، ولهذا فإن أغلب الطبقات تنتظر مُخلصها حتى الطبقات الأرستقراطية والمجتمعات الرأسمالية وحتى الدول التي لم يسلم العالم من حروبها تنتظر مخلصها.
إن فكرة المُخلص موجودة في كثير من الديانات والأمم، والحقيقة أن في جميع الأديان اعتقادا بفكرة وجود مخلص في آخر الزمان وهو أعلى درجات الأمل عند البشر عبر كل الأزمنة المتغيرة، وأية مساس بهذه الفكرة سوف يكون مسببا لليأس والانفعال ورد الفعل الكبير والقوي كما حدث ضد خطبة عدنان إبراهيم التي وصف فيها المُخلص بأنه ليس أكثر من وهم. الأمر الذي سبب هلعا ورفضا لدى المتلقين بسبب أن الإنسان دائما بحاجة للأمل، والخلاص، والانتظار للمجهول الجميل.
انتظار المخلص تكاد تتحول إلى غريزة فطرية مترسبة في أعماق الثقافات الإنسانية القديمة، فكل الثقافات الإنسانية تحمل جذورا راسخة في بنيتها الأساسية عن فكرة المنتظر الموعود، الذي سيحقق آمالها وطموحاتها وينتشلها من مستنقعات الشقاء والألم إلى الخلاص والراحة، حيث تسود قيم العدل والمساواة، حيث حياة دون طبقية و دون الاستبداد والمستبدين.
وقد أشار ابن خلدون أيضا – رغم تعصبه ضد الفكرة ذاتها- لهذه العقيدة المتمثلة في إيمان المسلمين بظهور المهدي بقوله: "أعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار، أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى المهدي". وهذا الإيمان العميق بأصل فكرة المخلص وإن اختلفوا في كنهه، بين الأديان السابقة ومعظم الثقافات القديمة والفلاسفة والمفكرين ورغم تعدد الأديان وتباين المعتقدات واختلاف الأفكار إلا أنهم متفقون على أصل فكرة المخلص، فهل يمكن أن يكون هذا الاتفاق محض صدفة أو هو إفراز طبيعي لغريزة فطرية إنسانية تطمح للخلاص؟
هذا الانتظار التاريخي الذي لا يتوقف الناس عن الإيمان به يتماس مع تلك المسرحية الشهيرة "في انتظار غودو" للكاتب الفرنسي "بيكيت"، وفحوى المسرحية انتظار شيء لا وجود له أصلا ولا معنى حقيقي له، وهذا هو العبث الحقيقي باعتقاده، فغودو "المنُتظر" هو المنقذ و الأمل و الفرح والسعادة وهو الذي يقضي أبطال "بيكيت" حياتهم في انتظاره دون جدوى في جو من اليأس والإحباط إزاء هذا العالم العصي على التغيير.