توجد حاليا الكثير من الجهود لتطوير التعليم، سواء من قبل القطاع الخاص أو العام؛ فأصبحت المدارس الخاصة تستورد المناهج وتقدم الدبلوم الأميركي أو البريطاني لطلابها، وبعضها يستطيع الحصول أيضا على ترخيص من قبل المنظمات التعليمية العالمية. أما في القطاع العام، فتم تطوير المناهج وإنشاء شركة تطوير وتدريب المعلمين في الكثير من المجالات مثل طرق التدريس الحديثة والحصول على ترخيص الحاسب الآلي. بالرغم من هذه الجهود الصادقة للرفع من مستوى الجودة على مستوى المدرسة والفصل، إلا أن الإغفال عن تطوير وزارة التربية والتعليم كمنظمة احترافية فاعلة يؤثر بشكل سلبي على كافة هذه الجهود.

تحتل وزارة التربية والتعليم مكانة القلب النابض لأي تغيرات سواء كانت إيجابية أو سلبية في كافة المؤسسات التابعة لها، ولهذا فإن كفاءتها كمنظمة ذات مستوى عال تلعب دورا مهما في تحقيق أي جهود لإصلاح التعليم في المدارس. في مقابلة وزير التعليم مع داود الشريان في برنامج الثامنة، اشتكى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالله، بالرغم من أنه الوزير، من البيروقراطية التي تتبناها الوزارة والتي من شأنها عرقلة وتأخير سير الأعمال وتنفيذ القرارات. أيضا، بناء على التقرير السنوي السابع للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عن العام الهجري 1431 هـ، اعتبرت وزارة التربية والتعليم الجهة الحكومية التي وردت ضدها أكثر شكاوى تظلم من موظفيها!

تعد هذه المشكلة عقبة كبيرة في طريق إصلاح التعليم، فعلى الرغم من تعاقد الوزارة مع بيوت خبرة عالمية للتطوير، إلا أن التنفيذ في النهاية لن يقع إلا في أيدي العاملين في وزارة التربية والتعليم. التعاقد والعمل مع بيوت الاستشارة العالمية خطوة جيدة بحد ذاتها، فتحليل الأمور والنظر في المشكلات من وجهة نظر خارجية يساعدان بشكل كبير في رفع مستوى الجودة، لكن تعد هذه البيوت عبارة عن "دماء مستأجرة" تضخ في الوزارة بشكل مؤقت ولا يمكن استبدالها أو الاعتماد عليها للتطوير بشكل دائم. حتى يرتقي التعليم لدينا لمستوى مرضٍ، يجب البدء بإعادة بناء الوزارة داخليا كمنظمة عالية الجودة والإنتاج من ناحية إدارية وكمؤسسة تعليمية باحثة ومجددة في هذا المجال. لكن ما يحدث حاليا هو أن أغلب العاملين في التعليم قد بدؤوا بفقدان الأمل في تنفيذ القرارات والأوامر السامية التي من شأنها تحسين أوضاعهم الوظيفية، بسبب صعوبة معالجة معاملاتهم وقضاياهم التي تدخل ولا تخرج إلا بشكل بطيء جدا.

توجد حاليا ضجة كبيرة في وسط المعلمين في كافة وسائل الإعلام للشكوى من الأوضاع المتردية التي تشتمل على الكثير من الحقوق الوظيفية التي يجب أن تعد من المسلمات التي تعطى بشكل تلقائي لكل موظف حكومي. هذه الضجة لم تقتصر على ظهورها في وسائل الإعلام، بل دخلت أيضا إلى الفصول الدراسية لتؤثر سلبا على جودة التعليم في المدارس. فأي معلمة تشكو من عدم نيلها لدرجتها المستحقة منذ أعوام، أو تداوم في مدرسة على بعد ساعات من منزلها، بالطبع لن يكون شغلها الشاغل مراجعة آخر ما كتب لاستخدام التقنية في الفصل أو كتابة مدونة على الإنترنت تشرح فيها إيجابيات أو سلبيات تطبيق المناهج المطورة، أو قراءة آخر الأبحاث عن الاهتمام بشكل فردي باحتياجات كل طالبة في صفها. علاقة الموظف بعمله تشبه كثيرا الزواج والصداقة، فكلما أعطيت أخذت وكلما كان أحد الطرفين يشعر بالتقدير لجهوده، كلما تفانى بشكل أكبر لإعطاء المزيد وبشكل أفضل. هذه هي طبيعة البشر، ولا يمكن اعتبار مجال التعليم والعاملين فيه استثناء لهذه القاعدة!

لا تكلف هذه المشكلة تطوير التعليم على المدى القصير فقط، بل يمتد الضرر ليشمل المستقبل على المدى الطويل. فهذه الفوضى من ضياع الحقوق وتردي الاحترافية لا تشجع خريجي المرحلة الثانوية ذوي المؤهلات العالية لدخول هذا المجال. فأي مقارنة بين التعليم والتسويق وإدارة الأعمال ستنتهي حتما باختيار الطالب الخوض في مجال يضمن له مستقبلا كريما والنمو التدريجي وظيفيا وماديا في مجال يحترم عقله وأفكاره ورغبته في ترك بصمته.

هذا القرار يراه اليوم الكثيرون عقبة في طريق ضمان استدامة نجاح أي خطة لإصلاح التعليم في المستقبل. حتى وإن رغب أي شخص في استثمار مستقبله لهذه القضية، فسيصدم بأنه لا يوجد تشجيع لذوي الكفاءات العالية من الطلاب لدراسة أي تخصص يمت للتعليم العام بأي صلة سواء عند ابتعاثه للدراسة في الخارج أو في أي من الجامعات المحلية.

تعيق هذه النقطة أي جهود وطنية لتقوم المملكة بتطوير فلسفتها الخاصة في التعليم من خلال المتخصصين من أبناء الوطن. فبالرغم من أهمية الاستفادة من الخبراء الأجانب وبيوت الخبرة، فلا يمكن استيراد أي تجربة أجنبية وتطبيقها لدينا، فلكل شعب ثقافة تميزه واحتياجات تخصه. لكن للأسف، تعتمد ثقافتنا بشكل كبير على الاستيراد لإثبات مستوى الجودة المقدم، فأغلب المطاعم والمحلات التجارية الموجودة لدينا مستوردة من الخارج. وقد طالت ثقافة الاستيراد حتى وصلت للتعليم، فلجأت الكثير من المدارس والمؤسسات التعليمية لترجمة الكتب الأجنبية والاعتماد على البرامج والدبلومات الأميركية والبريطانية لبرهنة مدى جودة الخدمات المقدمة لديهم للطلاب وأولياء أمورهم، تماما كما يفعل التجار لتسويق بضائعهم الأجنبية المستوردة التي تغطي عادة على المنتجات المحلية البسيطة.

لا يمكن التغاضي عن المشاكل التي تعاني منها الوزارة عن طريق تأسيس "تطوير" أو التعاقد من بيوت الخبرة الأجنبية. فمثل أي بركة ماء تترك راكدة لفترة طويلة، تحتاج الوزارة لإعادة ضخ وتشكيل داخلية حتى تبعد عنها كافة الأمراض وتستعيد جمالها مرة أخرى.