يقوم المعلم بالعديد من الأدوار الرئيسة في مجال عمله، أو يتوقع منه أن يقوم ببعضها على أقل تقدير، ومع أن دوره في العملية التعليمية دور مركزي، وأي تهاون أو تفريط أو تكاسل في تنفيذ ما هو مطلوب منه سينعكس سلبا على تعلم طلابه، وعلى ثقتهم به، وبقدراته، فمسؤوليات المعلم في عمله عديدة، وأدواره مختلفة، وتوقعاتنا منه عالية جدا، ويجعل المسؤولية عليه مضاعفة.
وهناك عدة رسائل أود أن أوجهها للمعلم لعلها تجد آذانا صاغية، وتعيها قلوب واعية، وأن يتقبلها المعلم بصدر رحب بعيدا عن التشنج، والتعصب تحقيقا لمبدأ الحوار الذي نحتاجه في هذه الأيام بشكل أكبر.
الرسالة الأولى تركز على الانتماء للمهنة حيث يتوقع من المعلم الذي لا يجد نفسه منتميا لمهنة التدريس ألا يأخذ مكان شخص آخر منتميا لهذه المهنة؛ لأن تحقق مبدأ الانتماء لمهنة التدريس قد يسهم في تحقيق صفات أخرى مرغوبة مثل الإخلاص والصدق، والحرص على الإنجاز، والاهتمام بكل ما هو جديد، والتركيز على التطوير الذاتي، والمحافظة على وقت المتعلم، وتسخير كافة أوقاته لخدمته، وغير ذلك من الصفات المرغوبة؛ فمهنة التعليم بشكل عام، والتدريس على وجه الخصوص من المهن التي تتطلب الانتماء بشكل كبير لها، وفي حالة غياب الانتماء قد يكون هذا المعلم معزولا عن المجال التربوي بل عبئا عليه، وقد يكون هذا الشخص أكثر نجاحا في مجال آخر غير التعليم، فلماذا نقحمه في مجال لا ينتمي له، ونظلم التعليم أو التدريس بهذه الفئة التي لا تجد نفسها في التعليم أو من التعليم، أو للتعليم.
أما الرسالة الثانية فتتمثل في التمكن من متطلبات المهنة من معارف ومهارات وتقنيات، وخبرات؛ فالمعلم الذي ينتظر أن تقدم له الجهة المسؤولة عنه التدريب في كل صغيرة وكبيرة، ولا يطور نفسه ويعمل على الإسهام في تطوير قدراته ذاتيا قد يجد نفسه في الخلف بعيدا عن المعلمين الذين يطورون أنفسهم ذاتيا، وما أكثر المعلمين التقليديين في مدارسنا في هذه الأيام الذين لم يلتحقوا بدورات تدريبية على حسابهم الخاص، أو بالدورات التي تقدمها الوزارة بين الحين والآخر، ونجده يفكر، ويدرس طلابه بالعقلية التي تخرج بها قبل عشرين عاما، أو أكثر، ومن ليس لديه الرغبة في التطوير والتجديد من هذه الفئة فعلية التقاعد حتى وإن كان مبكرا، وإتاحة الفرصة لغيره.
والرسالة الأخرى للمعلم تركز على أن يكون تعامله مع طلابه تعاملا راقيا بعيدا عن الفوقية والتكبر، فيعامل الصغير كابنه، والكبير كأخيه، ومن الضروري أن يستمع لهم ويحاورهم، ويشاركهم في همومهم، ويعمل على مساعدتهم في تخطي كثير من الصعوبات، وحل العديد من المشكلات التي قد تواجههم حتى وإن كانت خارج الإطار التعليمي؛ فمتعلم اليوم ليس بحاجة للتدريس بشكل كبير كما كان عليه المتعلم قبل عشرين عاما، أو أكثر، فهو يتعلم بنفسه في كثير من المواقف التعليمية، وبذلك فهو يحتاج إلى إرشاد وتوجيه، وقيادة، ومساندة لكي تتحقق عملية التعلم والتعليم، ولا يحتاج إلى سيطرة المعلم، ومركزيته، وأوامره القاسية.. فالمعلم في هذه الأيام لم يعد المصدر الوحيد للمعلومات، ولا للمهارات المختلفة، وبإمكان المتعلم الحصول عليها من مصادر مختلفة، كما أن المعلم بحاجة إلى أن يعمل على تحقيق أهداف المنهج الذي هو مسؤول عنه من خلال توظيف أساليب تدريس، وتعلم حديثة، ومتنوعة تناسب كلا من المتعلم، والمحتوى والإمكانات المتاحة في بيئة التعلم، ومن يقوم بتنفيذ تدريسه بطريقة تقليدية واحدة تركز على الإلقاء فهو بحاجة إلى أن يراجع حساباته، وهو في الواقع يسبح عكس التيار، وقد يجد نفسه وحيدا في وقت قريب جدا، والمعلم مسؤول أيضا عن تقييم تعلم طلابه، ومدى تحقيقهم للأهداف، ويتطلب ذلك أن تكون وسائل التقييم التي يوظفها المعلم مناسبة للمتعلمين، وللجهد الذي يبذله داخل الصف، وأن تكون أسئلة الاختبار لا تمثل تحديا مقصودا للطلاب، وتعجيزا لهم.. فكثير من المعلمين الذين يعانون من ضعف في الشخصية يوظف الاختبارات كوسيلة ضبط للطلاب، أو تغطية لنقص في شخصيته؛ حيث يهدد طلابه بالاختبار، ويعمد إلى وضع أسئلة صعبة تؤدي إلى تعقيدهم ورسوبهم، وهنا أرى أن الأسئلة يجب أن تكون شاملة للمنهج، وأن تراعي مستويات الطلاب، وأن تكون متنوعة في مستويات الصعوبة، وأن تشتمل على أسئلة يجيب عنها كل الطلاب، وأخرى يجيب عنها أغلبهم، وأسئلة يجيب عنها بعضهم، وبذلك تتحقق العدالة، ويقيس الاختبار المستوى الحقيقي للمتعلمين.
المعلم الذي لا يطور نفسه، ولا يهتم بطلابه، ولا ينتمي للمهنة قد يكون من المناسب أن يتقاعد في أقرب فرصة، ولماذا لا يكون هناك سن تقاعد للمعلمين بعد مرور زمن معين على تعيينهم لتتم إتاحة الفرصة لأبنائهم للحصول على وظائف، وللتدريس بدلا منهم؟ وهذا التوجه تمت المناداة به قبل 20 عاما (1413 هـ) في مناقشات وتوصيات المؤتمر الثاني لإعداد المعلم الذي عقد في رحاب جامعة أم القرى بمكة المكرمة. وفق الله أبناءنا وبناتنا في مختلف مسـتوياتهم التعليمية في عامهم الدراسي الجـديد، وجعله عاما حافلا بالإنجاز، والعطاء في ظـل حـكومة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين.