اليوم أقف (مكرراً) أمام مخرجات ما تبنته وزارة التربية والتعليم عند إطلاقها (عام المعلم) على العام الدراسي المنصرم تجسيداً منها بأن المعلم حجر الأساس في العملية التعليمية، وقائد ومنسق عمليات التعليم والتعلم. نتذكر جيداً أن الوزارة وجهت كعادتها (بتعميم) يحث على تهيئة كافة الأسباب لتحفيز المعلم والإشادة بدوره وتنفيذ تلك المبادرة.. تقافزت حينها إدارات التعليم في المملكة لتحقيق المبادرة. واختصاراً لما بعد المبادرة والتعميم وجدنا أنفسنا والمعلمين متسمرين أمام مسلسل جديد كانت نهايته مفتوحة في تبني مشاريع الورق التي اعتدنا عليها في كل الاتجاهات، أما النتيجة فكان (عام المعلم) حركة نقل وتعيين معلمين جدد، ولا أعلم ماذا اختلف عن السنين السابقة سوى إذاعات مدرسية ومنشورات توزع على الطلاب وبرامج لم تصل إلى معنى (المعلم) وكرامة مكانته، لتتحول مبادرة مهمة ومستحقة نحو المُصدّر الأول نحو بناء الإنسان والأمم من خلال إسهاماته الحقيقية في صنع الحياة إلى شعارات وكليشات لا تسمن ولا تغني من جوع!

وامتداداً لما سبق، فقد صُدم أسفاً الوسط التربوي بالأمس (السبت) بأغرب هدية وعيدية تحفز بها وزارة التربية والتعليم معلميها لبدء عام دراسي مليء بالنشاط والإلهام؛ بإنقاص حقوقهم ومعنوياتهم لـ(تمحو) ـ وبالقاضية ـ على ما تبقى من نهاية "عام المعلم"، والخبر باختصار– كما نشرته صحيفة الرياض في عدد أمس – يؤكد أن وزارة التربية والتعليم بادرت بإبلاغ جميع إدارات التربية والتعليم في المناطق والمحافظات (بموافقة) مجلس الخدمة المدنية على تعديل نهاية المادة (53) من لائحة الحقوق والمزايا المالية والتي تنص في المادة (10) على أن من انتهت خدماتهم لأي سبب من الأسباب من لائحة الوظائف التعليمية.. فيجوز الجمع بين مكافأة نهاية الخدمة لمن هم على لائحة الوظائف التعليمية بالإضافة إلى مكافأة من بلغ سن التقاعد لمن انتهت خدماتهم قبل تاريخ 20/3/1432هـ، أما من انتهت خدماتهم بعد هذا التاريخ فيقتصر الصرف لهم على إحدى المكافأتين ولا يجوز الجمع بينهما، وعندما بحثت في لوائح ديوان الخدمة المدنية وجدت أن المادة (10) هي مكافأة نهاية الخدمة: وتصرف لشاغلي الوظائف التعليمية عند انتهاء الخدمة بمقدار مكافأة عن كل سنة كاملة من سنوات الخدمة.. وقد صدر قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 1/988 وتاريخ 18/8/1425هـ ونص على جواز الجمع بين هذه المكافأة والمكافأة الواردة بالمادة (27/19) والتي تنص على أنه يصرف لشاغلي الوظائف التعليمية كذلك ما يعادل راتب ثلاثة أشهر عند نهاية خدمته، وبالتالي يقتصر الصرف عند تقاعد لمن هم على رأس العمل الآن على إحدى المكافأتين (فقط) ولا يجوز الجمع بينهما، وجزماً حرمانهم بتقليص حق من حقوقهم كان يتقاضاه زملاؤهم السابقون سنين عدداً!

للأمانة جاء هذا القرار مخيباً لآمال التربويين والتربويات في نهاية ماسمي بـ"عام المعلم"، والذي (نكرر) ما تناولناه سابقاً ونجزم فيه أن المعلم ليس بحاجة لشعارات طنانة أو تعاميم (ورقية) أو حتى شهادات شكر واحتفالات.. بل يحتاج لحلول تقض مضجعه ومستقبل وطن وأجيال بدءاً من تطويره والاهتمام به، فالوزارة أسفاً تتحدث عن التطوير في شتى مجالاتها ونسيت أنّ التطوير كان الأولى أن يبدأ من المعلم وأخذه لحقوقه كاملةً دون انتقاص، فتطوير لا يعطي المعلم حقه يعد مبتوراً، ولذا لا نستغرب عندما تجد حالات مضطربة تهيم بالمعلم نحو حقوقه المهدرة بدءاً من الوقوف عليها أو بتقديره الوظيفي الكافي – ومن وجهة نظري الأهم – في أخذ مرتبته المستحقة مادياً ومعنوياً عندما يمنح مساحةً كافية للإبداع التربوي، والأخذ بمشاركته في صياغة واتخاذ القرارات التربوية والتعليمية من تكوين المناهج والمقررات الدراسية والقياس والتقويم، مروراً بتأمين متطلباتهم من الاستقرار الاجتماعي، وإبعادهم عن الضغوط النفسية وتفهمها، والظلم الإداري ومتابعته، وتكريم (جميع) المتميزين بدلاً من إهمالهم، وجلب الخدمات لهم من احتياجات ومتطلبات يفتقدها داخل المدرسة أو خارجها كتأهيل البيئة المدرسية، وتقليص نصاب الحصص وعدد الطلاب داخل الفصل، وكذلك التأمين الصحي، والأندية الرياضية، والإعلام التربوي (المتابع) لإنجازاته لا المتتبع الملمع لمدراء التعليم ومسؤولي الوزارة!

وبين مأزق البحث عن حقوق المعلم ورسالة التعليم منه ومن وزارته وإليها، يبحث معلمونا الكرام عن وقفات صادقة معهم، وخطوات جادة تكاملية مخطط لها لكل المبادرات الجميلة نحوهم، وبكل صدق وشفافية نتساءل من المسؤول عن تلك القرارات؟ ولمصلحة من؟ وبنفس الثبات والرجاء نأمل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الخدمة المدنية في إعادة النظر في هذا (القرار) والتراجع عنه والرفع من تحسين مستويات المعلمين ومكانتهم التي تليق بهم لتتوافق مع أهمية رسالتهم ودورهم البنائي لمستقبل أبنائنا ووطنهم.