نحن ندفع أموالنا كي نشتري بها لأنفسنا أسوأ الخدمات. وخذ بالمثال وهنا من شر البلية المضحك، فإن آخر ما قرأت لكم قبل قليل أن خمسين شابا سعوديا يموتون تسمما في معدل العام الواحد بعد أن يتناولوا محرمات الكحول محلية الصنع على يد عمالة تنتشر في مدننا بالآلاف، وللمفارقة المحزنة بصدق أن صناعة الكحول في بلدنا تأتي في المرتبة السادسة من حيث أعلى نشاط في ـ بيزنس ـ المشروبات الذي يقولون إن سوقه السعودي يصل إلى ثلاثة وعشرين مليارا في العام الواحد. ربما أخذتني هذه الافتتاحية عن لب الموضوع في السطر الأول من المقال. رزئت مطلع هذا العام الدراسي بانتقال طفلين من أطفالي الخمسة إلى مراحل دراسية جديدة. سأدفع عليهما من الرسوم ما يصل هذا العام إلى خمسة وعشرين ألف ريال، وهو بالمقارنة، ثلاثة أضعاف المبلغ الذي دفعته على ولدي الأكبر قبل سنوات بسيطة خلت. ومع هذا تبدو العملية برمتها بلا رقيب. أنا أكتب للمفارقة المضحكة التي اختارت (لسارة) مطبخ منزل مستأجرا من أقدم بيوت هذه المدينة، وهي ذات المفارقة التي اختارت (لمحمد) صالون استقبال في (الحوش) المضحك أيضا لفناء المدرسة الأهلية المستأجرة. نحن نقبض رواتبنا باليمين ثم نشتري بها كل ما يفسد حياتنا بذات اليمين أيضا. عدت من الطريق الساحلي للتو بعد غزوة ميمونة ولمسافة 300 كيلومتر لن تجد مطعما أو محطة وقود أو استراحة تصلح للاستخدام الآدمي. والكارثة أن تصريح البلدية على ورقة فوق عامل المطعم في (الخيار الأخير) قد اصطبغت بسبعة تواقيع لموظفين من الأجهزة المختلفة. لا أعرف إن كانوا يعرفون الجواب التلقائي على السؤال: على أي شيء وقع هؤلاء ولماذا كانت (غلبة) هذا التصريح في الأصل. حتى حبة البنادول التي اشتريتها من بقالة مهترئة على ذات الطريق كانت منتهية الصلاحية من شهرين. وللمفارقة، وكم أكثرت من المفارقات أن ـ الطبيب ـ الذي رافقني في رحلتي كان يؤكد أنها مجرد ـ طحين ـ بلا صلاحية في المطلق مثلما يؤكد أن ما لا يقل عن ربع صناعة الدواء المعروضة في صيدلياتنا الخاصة وحتى الحكومية إنما هي أدوية مضروبة وبتصنيع هلامي لا يرقى لأبسط معايير التركيبة الكيميائية التي يشترطها علم الدواء مع كل وصفة علاجية. نحن بأموالنا نشتري السموم بهدف العلاج.