المتعبون في الساحة، وجوههم ترقُّ يومًا بعد يوم..

وشَعرهم يلين..

في هواء الليل والأضواء الخفيفة،

وحين ينظرون إلى بعضهم ترقُّ عيونهم أيضاً..

إلى درجة أنهم يظنون أنفسهم زجاجًا..

وينكسرون. "كما وصفهم الشاعر وديع سعادة".

المُتْعَبُون يبحثون دائما عن مأمن جديد للحياة، ينتشرون على مفارق الطرق، وفي المدن. إذا التقيت أحدهم فعامله بلطف، فهو يخوض معركته في الحياة. هكذا يعيش بعض البشر معركتين.. معركة مع نفسه ومع العالم المتغير، ولكنها معركة نبيلة.. المحارب والآخرون وساحة المعركة كلهم شخص واحد، المُتْعَبُون هكذا يبدو عنوان يومهم وحياتهم التي يخوضونها كل يوم فيما يشبه معركة حقيقية تدور بصمت، فهم وجوه تشبهنا، لهم ذات ملامح كل المارين والمبتهجين، ليسوا موسومين بعلامة فارقة، غير أن علامتهم الفارقة تسكن بداخل تعبهم المضني.

إنهم أولئك الذين يتسع الكون بكليته لأسرارهم المنهكة، بينما تضيق بهم شوارع المدن و قلوب الآخرين المتكئين على مجالسهم الوثيرة ومباهج يومهم. المُتْعَبُون تهب ريح طرقاتهم فيسيرون باتجاه نوافذ الخلاص، نزفوا من أيام عمرهم التعب يوما تلو الآخر صامتين حتى لا يوقظوا أحبتهم أو العابرين، يمضون حفاة من كل شيء لا يبالون، فقد نبت على حياتهم قمح الحقول التي حرثوها سنين سبعا عجافا، تليها سبع عجاف لا يبالون. وهم بالرغم مما يعتري نهارهم من غبرة وما ينبت على أكتافهم من أشواك فلم تزل أفواههم مملوءة كأنها الأقفاص بالبلابل.

المُتْعَبُون كل صباح يفتحون نوافذ الأرض ولا يأبهون بالانتظار، ويتظاهرون بالقوة وينتزعون من الحياة يوما آخر صوت تعبهم في الروح كهدير النار لا يسألهم الانتظار.. كم ستمضون في تعبكم يمضي معهم ويمضون معه وحسب.

كل يومٍ تمح ملامِحهم..

حتى تكاد تندثر..

وتجف وجوههم..

حتى صارت لا ينفعها مطر،

شعرهم غادر مع الريح،

شعرة شعرة..

رقوا من القهر، صاروا كالزجاج..

عندما مرَّ نسيم الليل،

لم يستطيعوا أن يتمايلوا..

فانكسروا.

إنهم المُتْعَبُون الذين أجبرتهم الحياة على التعايش مع المكان والزمان والناس الذين يشاهدون كل يوم حياتهم وهي تنفلت من بين أصابعهم وأيامهم بصمت. فإذا التقيتهم على طريق الحياة قل لهم : تشبثوا بكل نجمةٍ في سماء كونكم، حافظوا على حقول حرثكم الذي حرثتموه، حافظوا بقوة على حدائق أزهار أرواحكم حتى آخر زهرةٍ تمردت على السياج والطرقات والبشر.