الأمم المتحدة، مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، الناتو، منظمة التعاون الإسلامي، الجامعة العربية، منظمة حقوق الإنسان.

تكثر الأسماء وتقل الجدوى، تشتد حمأة الخطابات المنددة ويرتفع منسوب الدمار.

سورية تحترق تحت وطأة القذائف وحمم المجنزرات والعالم يغدق على شعبها العربي المسلم بيانات التنديد وعبارات الإدانة والشجب، تسمها وعود المساندة والدعم.

فلم كل هذا القدر من المراوحة والهزال في الموقفين الأميركي والأوروبي..؟ أهو العجز أم التواطؤ؟ هل تعقيدات الوضع الداخلي السوري أكثر صعوبة من الأوضاع التي شهدتها العراق، وليبيا، ومصر وتونس واليمن قبيل سقوط جنرالاتها، أم هي كوابح الحرص على الأمن الإسرائيلي – وتحاشي احتمالات التهديد الذي يمكن الإقدام عليه في لحظة انتحارية – تتحكم وتحكم موازين اتخاذ القرار الأممي إزاء كوارث الأسد..؟

وإذ يقف الشعب السوري أمام محنة مركبة لا تبدو الأسوأ بين كوارث النظام العربي والإسلامي فقط، قدر كونها أكثر المحن انحطاطاً وأشدها فتكاً بالقيم الإنسانية الموجهة لعلاقات الشعوب وتاريخها المشترك..

إننا نسأل أيضاً ما الذي غل يد بعض الأنظمة العربية عن اتخاذ قرارات شجاعة تحمل بشار الأسد على وعي المحصلة النهائية لما يحدث دون الحاجة لمزيد من الرهانات المتأصلة في خلد القادة الديكتاتوريين عبر التأريخ.

محنة الشعب العربي ليست وليدة اليوم، وإن كان راهنها يتصدر مختلف الكوارث التي مرت به منذ الخلاص من نير الاستعمار الفرنسي.. وإذ يتحمل الغرب جزءاً من المسؤولية عن معاناة السوريين الذين يتجرعون مرارة الاحتلال الإسرائيلي الأرعن تماما، كما يكابدون مشقة المكافآت المدفوعة لنظام الأسد مقابل سياسية التعايش مع الامتهان الصهيوني الفادح للكرامة الوطنية، فما الذي تتحمله الأمة العربية والإسلامية من مسؤولية تجاه شعب شقيق يعشق الحياة والحرية ويضمر المودة والحب لأبناء أمته العربية المسلمة، لكنه مني بنظام حكم جائر استلبه الإرادة والحرية والحياة، وجعله وقودا لرهاناته الخاسرة طوال مراحل التيه التي جعلته يضل طريقه نحو الجولان ليجد نفسه غارقاً في وحل التدخل في الشؤون اللبنانية ومستنقعات الشعار القومي الأخرق.

ترى لو كان الأسد قرر تحرير الأراضي المحتلة من بلاده، هل كانت الكلفة تتعدى الـ 50% من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي يبددها في سبيل مقاومة رياح التغيير؟

متواليات المشهد الدموي المروع على مختلف الأرجاء السورية تدعو المتابع إلى إعادة النظر في تحليلاته من وقت لآخر.. فلربما كان نظام الأسد معنياً ويتحمل كامل المسؤولية عن سلسلة المذابح التي جرت خلال ستة الأشهر الأولى من المأساة، وقد يكون مقبولا تمديد نطاق مسؤوليته ستة أشهر أخرى، أما والكارثة تلتهم العام الثاني من بدء المجازر الجماعية، فإننا نستطيع رؤية الأسد يلوك ضحاياه بفكين غربيين ولسان عربي وإسلامي غير مبين.

على أننا إذ تأخذنا الحماسة لتحميل الغريب ما عزف عن تحمله الأخ القريب، إنما نعكس مواتنا وتشيئنا في معزوفة الغياب وفقه الذرائع.

إن كان القتل حصة الشعب السوري من أرزاء الدهر فإن حصة بعض أشقائه تضاهي الازدراء.. وإذا لم تكن جيوش النظام العربي والإسلامي قادرة على وقف نزيف الدم والأخذ على يد الظالم. فلماذا تتثاقل بعض الحكومات العربية والإسلامية عن اتخاذ عقوبات اقتصادية فورية تجاه الغطاء الإقليمي والدولي وتبادر إلى إغلاق أسواقها في وجه الصناعات والمصالح الروسية والصينية..

وفي سياق متصل، تتبادر إلى الذهن أسئلة وتتوارد علامات استفهام شتى.. أليس ما يحدث في سورية أكثر جرماً من كتابات سلمان رشدي..؟ وإذا كانت رسومات معتوه يتسول الشهرة قد استدعت غيرة بعض التيارات الإسلامية لممارسة ضغوطها على حكوماتها لمقاطعة الأجبان الدانماركية، فلماذا لا نرى هذه الغيرة والنخوة بادية العيان إزاء النظام السوري، وإنْ من قبيل إقامة حق المسلم على المسلم وخوض غمار النصرة في الحق..

ولئن كان قدر السوريين أن يقضوا على يد هذا النظام فلماذا يكون عليهم تقديم هذه التضحيات دفاعا عما تعتقده السلطات الإيرانية مصلحة حيوية من مصالحها المرهونة على بقاء الأسد في سدة الحكم.

يوم تترسخ عقيدة القتل في قناعات حاكم مستبد وتنتشر عدواها لدى أصدقائه فمن غير المناسب تفنيد مبررات وذرائع هؤلاء لأن ذلك لا يعيد الحياة إلى المغدور بهم مثلما يسعف القتلة ويساعد على تخفيهم وسط زحام المواقف وضوضاء الكلام.

إن تملق المستبدين يضاهي فعل القتل وإثمه ومن يرفعون قفاز المقاومة حول مخالب الأسد إنما يضعون الخيار القومي الشريف موضع حرج، اللهم إلا إذا كان العالم يعد الشعب السوري محتلا والأسد معنيّ بدحره..

الزاهدون عن فضيلة الحق مطالبون بالإفصاح عن قناعاتهم.. وما إذا كان ثمة مصلحة عربية أو إسلامية من استنزاف مقدرات الجيش السوري وارتطام آلياته الدفاعية بالمدن السورية وقاطنيها؟

أليس هذا الانحراف الخطير أقصى مصلحة تخطر في ذهن الكيان الإسرائيلي.؟

وحده الشعب السوري يكتب أسطورة الوجود و"كل الذي كتبنا هراء" على حد وصف الشاعر الكبير نزار قباني!