ماذا تفيد التفاصيل إذا كان المراد ظاهراً في أقوالنا وأفعالنا وأعمالنا!

وهذا ما شاهدته في حياتي من اهتمام بعض الناس بتفاصيل دقيقة في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع, خاصة تلك التفاصيل الساذجة التي تزعج الكثير منا والأسئلة المملة، فعلى سبيل المثال: ماذا تعمل؟ كم راتبك الشهري؟ ما هو مستواك التعليمي؟ هل تتقن الإنجليزية؟ كم وزنك؟ ما طولك؟ هذه التساؤلات بكل صراحة صارت مثل الكابوس للآخرين...

فما دخلك في عمله, وفي راتبه, وفي شهادته, وفي دراسته؟ وهل هناك فائدة تجلبها لنفسك من اهتمامك بتفاصيل شخص لا يعنيك؟ لأن هذا يعتبر تطفلاً وفضولا في حياة الآخرين.. وقد قال صلّى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وهنا إشارة واضحة وصريحة لمن يبحث ويتطفل بتفاصيل الناس ولو استخدمنا حب الفضول والبحث عن التفاصيل في المجال الذي يخص العلم والمعرفة وترقية الذات ومفاهيم الأشياء, لكان هذا خير وأفضل لنا.. ولأصبحت أمتنا أمة علم حيث لا يشترط في البحث عن المعرفة.. شهادات ولا خبرات لأن المعرفة حق للجميع.

ولكن للأسف انقلبت إلى ملاحقة الناس والبحث في المجهول عنهم حتى يا ليت تكون التفاصيل التي أخرجوها صحيحة.. وإنما احتوت على سيناريوهات ومغالطات لا تمت للواقع بصلة ونضطر أحياناً بالتصحيح لما يلحق بعض الناس من أذى في بعض الأمور فالبعض في مجتمعنا يهوى التبهير والتمليح... "والويل لمن لا يبهّر ويملّح تخرب الطبخة" ولا تتناقل سريعاً! فضع حدودا لعلاقتك بالآخرين ولا تجعل نفسك في موقف ساذج أنت في غنى عنه ما دام هذا الأمر لا يعنيك وضع نفسك في مكان هذا الشخص خصوصاً إذا كان من ذوي الرواتب المتدنية وكأنك بهذا تريد إضحاك جمهور من الناس عليه وبطبيعة الحال لا يستطيع هذا المسكين أن يكذب فتجعله في موقف محرج ويبدأ الحقد والضغينة بينكما وكنت أنت السبب.

إحدى صديقاتي تحكي لي أنها تعرف امرأة دائماً ما تسألها: "كم راتبك؟" والمشكلة أنها تسألها في كل لقاء يجمع بينهما, حتى إن صديقتي اعتقدت بأنها تعاني من فقدان الذاكرة.. وأخرى تقول مللت ممن يسألونني عن وزني مراراً وتكراراً .. فعلاً المسألة تؤذي أحياناً ولكن من يتعقل؟

يجب علينا أن نتعود على احترام خصوصيات الآخرين مهما كانت إلا إذا سمحوا لنا هم بأنفسهم أن يخبرونا بها دون سؤال منا لأن هناك أسرار خاصة لا يحب الناس إظهارها إلا لمن يعز على قلوبهم. ولنعلم بأن العفة محمودة في كلامنا وسمعنا وأبصارنا وأفعالنا.. واعلموا أن الله تعالى حكيم عادل قد منح كل شخص منا ذكرا أو أنثى ما يستحق من عطايا فلا تنشغل بما وهبك الله تعالى من نعم لا تعد ولا تحصى بتتبع الناس على أسرارهم وشؤونهم الخاصة فذلك يجلب الشقاء لنفسك وإفساد قلوب الناس عليك وأنت لا تعلم.