أصبحت جماعة "الإخوان المسلمون"، الشغل الشاغل للإعلامين العربي والغربي، خاصة بعد تأسيس حزبهم السياسي (الحرية والعدالة)، وفوزهم في اقتناص مقعد رئيس الجمهورية، وقبل ذلك مقعد رئاسة مجلس الشعب والشورى، ثم تأليف الوزارة الحالية برئاسة هشام قنديل، وبذا سيطر "الإخوان المسلمون" على السلطة التنفيذية والتشريعية، وقبضوا على زمام الأمور العسكرية بإقالة المشير الطنطاوي، وسامي عنان، وتعيين وزير جديد للدفاع وقائد جديد للجيش. ونشأ قبل هذا كله ما أُطلق عليهم "الإخوان المسلمون الجُدد Neo- Bros". فمن هم هؤلاء؟

لو رصدنا الخطوات البراجماتية السياسية التي خطتها جماعة "الإخوان المسلمون" في الفترة الأخيرة فيما انتهى إلى بروز تيار سياسي جديد داخل هذه الحركة – من خلال حزب "الحرية والعدالة" - نطلق عليه "الإخوان الجُدد Neo-Bros" لوجدنا أن هذا التيار قد قام بما يشبه "الثورة البيضاء" في الخطاب السياسي "الإخواني".

فعصام العريان أحد أعلام الإخوان الجُدد Neo-Bros، ونائب رئيس حزب (الحرية والعدالة) يقول: "الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة، أمران فيهما اجتهادات جديدة من جانب (الإخوان)، تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن". وهذا يعني أن "الإخوان" تخلّوا عن نظرية "الحاكمية لله" التي نادى بها سيّد قطب، واتّباع أصول الديمقراطية في التشريع، التي تعني التسليم بحق البشر في اختيار ما يرونه من تشريعات وعقائد. وهذا يعني أيضاً أن جماعة "الإخوان المسلمون" قد اقتنعت أخيراً بأن النصَّ كما عرّفه الفقيهان الشوكاني والأصفهاني هو: "زوال الحكم بزوال أسباب النـزول."

فهل هذه استراتيجية جديدة، أم تكتيك ناجح، أوصل "الإخوان" أخيراً إلى منتهى كرسي الحكم؟

إذن، لم تعد "جماعة الإخوان المسلمين" حركة دينية، ولكنها أصبحت حركة سياسية محضة. لا تأخذ من الدين أي جانب سياسي، حيث لا سياسة في الدين تؤخذ لهذه الأيام. وإنما تتبنى أفكاراً سياسية غربية 100% (الديمقراطية، الانتخابات، الحريات السياسة، النضال الدستوري، إقامة المجتمع المدني، إقامة الدولة المدنية وليست الدينية.. إلخ)، وهو ما جاء على لسان محمد السيد حبيب عضو مكتب الإرشاد السابق في مصر، الذي أعلن استقالته من جماعة "الإخوان المسلمون" (23/7/2011) وانضمامه إلى "حزب النهضة"، الذي يرأسه الدكتور إبراهيم الزعفراني القيادي السابق في جماعة "الإخوان المسلمون". ويُعد محمد السيد حبيب عَلماً آخر من أعلام "الإخوان الجُدد Neo-Bros" الذين قدموا شعارات سياسية حداثية وليبرالية جديدة للإخوان. ففي مقابلة صحافية على موقع (الإخوان المسلمون) (28/2/2004)، رفع حبيب أهم شعارات الإخوان الجدد، ومنها:

1- إن "الإخوان لا يسعون لأن يكونوا بديلاً لأحد. وهم حريصون على أن يكون لهم حزب سياسي". وحبيب لم يقل: أن يكون لهم "حزب ديني سياسي"، ولكنه قال: "حزب سياسي" فقط، بدون صفة الديني. كما أن حبيب تخلّى عن فكرة "الإخوان" لمحق ومحو الآخر، عندما يتسلمون الحكم. فعندما تسلّم "الإخوان" الحكم في السودان مثلاً، شنقوا المفكر الإصلاحي الكبير محمود طه بقرار من حسن الترابي زعيم "الإخوان" في السودان. كما استهدف الخط السياسي التعبوي الذي انتهجته "جبهة الميثاق الإسلامي" تصفية الدستور القائم وقتها، ومن ثم تصفية أساس الديمقراطية السودانية. وقد تجلّى ذلك في انمحاء الخطوط الفاصلة بين السلطات الثلاث، التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، الذي تجسد في قضية حل الحزب الشيوعي الشهيرة.

2- رفع حبيب شعار: "تدرج الخطوات من ثوابت منهجنا، والنضال الدستوري سبيلنا عبر القنوات القانونية." وهذا اعتراف صريح من حبيب، بأن القرآن الكريم ليس دستوراً سياسياً. إذ لا دستور سياسياً في الإسلام. وكلمة (الدستور) أصلاً ليست عربية وإنما فارسية. والدستور نظام سياسي جاءنا من الغرب. والنضال عبر القنوات القانونية يعني هنا، أن الإخوان قد اقتنعوا أخيراً، بأن لا قوانين سياسية في الإسلام، وإنما هناك قوانين سياسية موضوعة وضعها البشر. وبذلك انتفت نظرية "الحاكمية" التي كان يدعو إليها سيّد قطب. فلقد شدد سيّد قطب، أكثر ما شدد على الاستعلاء بالإيمان، بزعم أن المجتمع في مجمله لا يعدو كونه قبيلاً من الجاهليين!

3- رفع حبيب شعار: "تبنّي الدعوة لإنهاء الخصومة بين الحكومات والشعوب، من خلال الإصلاح السياسي وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني." وهناك اعتراض كبير على هذا النهج من قبل السلفيين، الذين يرون أن نبذ (الجهاد العيني) الواجب ضد تلك الحكومات المرتدة التي تحكم بلاد المسلمين دعوة من أعداء الإسلام. وأن دعوة حبيب مناقضة لقوله تعالى: "وقاتلوهـم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" الأنفال:39.

4- وفي رؤيته التي وزعها على هامش مؤتمر (أولويات وآليات الإصلاح في العالم العربي) الذي عقد في القاهرة (5/7/2004)، أكد عبد المنعم أبو الفتوح، وعَلم آخر من أعلام الإخوان الجُدد أن: "الخطاب الإصلاحي الإسلامي بشكل عام، هو خطاب بشري." وهي مؤشرات تدلُّ على تطور رؤية جديدة من داخل التيار الإسلاموي، وتتحدث عن "الدولة المدنية" باعتبارها بدهية، لا بديل عنها لتحقيق المواطنة الحقة. وأشار أبو الفتوح إلى أنه فيما يتعلق بالإصلاح السياسي، ليس لدى التيار الإسلامي- وفي القلب منه "الإخوان المسلمون" - أي تصور لتنفيذ أي إصلاح سياسي، سوى صناديق الانتخابات! ولعل هذا هو السبب الرئيسي لخوضه انتخابات رئاسة الجمهورية المصرية الأخيرة في 2012، التي لم ينجح فيها، ونجح فيها صنوه محمد مرسي.

والسؤال كان هنا: لماذا لم يبدأ (الإخوان المسلمون) في السابق بأنفسهم، ويجربوا انتخابات شاملة ونزيهة، لانتخاب المرشد العام، وأعضاء مكتب الإرشاد، بدلاً من قصر الموضوع على 15 شخصاً من أهل (الحل والعقد) كما جرى خلال أكثر من 80 سنة ماضية من عمر "الإخوان المسلمون"، ويجري الآن؟!

ولعل (الإخوان) اقتنعوا أخيراً، بأن لا سبيل إلى السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع. وقد كان.