في مقال سابق وجهت عددا من الرسائل إلى المعلم الذي هو حجر الزاوية في العملية التعليمية كما هو مثبت في كتب الأدب التربوي، كما أن المتعلم هو الحجر الآخر في هذا الجانب، ولولا وجود المتعلم لما كان هناك حاجة للنظام التعليمي بكافة مقوماته، ومكوناته، وهذا يؤكد على أن التفاعل الإيجابي والمباشر للمتعلم، ومشاركته الفعلية في التعليم والتعلم يسهم بدرجة عالية في نجاح المؤسسة التعليمية في أداء مهامها المختلفة، وتحقيق أهدافها.

ولأهمية دور المتعلم في عمليتي التعليم والتعلم أوجه لأبنائي وبناتي من الطلاب والطالبات بعض الرسائل التي قد يجدون فيها ما يفيدهم، ويدعم دورهم التربوي، ويسهل عملية تعلمهم، ويستفيدون من وجودهم في مدارسهم.

الرسالة الأولى تتمثل في ضرورة فهم المتعلم أن المؤسسة التعليمية بكافة مقوماتها البشرية، والمادية أسست لمساعدته، وخدمته، لذا على جميع المتعلمين أن يستفيدوا من كافة الإمكانات المتاحة لهم أثناء تواجدهم في المدرسة، وفي أثناء فترة تعلمهم في مراحل التعليم المختلفة بأكبر قدر ممكن، كما يجب على المتعلمين أن يحترموا معلميهم، ويقدروا الدور الذي يقومون به في عمليتي التعليم والتعلم، ويدركوا الجهود التي يبذلونها في التخطيط والتنفيذ للتدريس، والمتعلم مسؤول عن تحقيق قول الشاعر: "قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا"، لأن المتعلم عندما يحترم معلمه، ويجله، ويقدره، سنعكس ذلك على عمليتي التعلم والتعليم، وتصبح حصص ذلك المعلم من الحصص الشيقة للطلاب لوجود بيئة يسودها التقدير والاحترام المتبادل، وهذا الذي ينقصنا في كثير من مدارسنا؛ فالعلاقة بين المعلم وطلابه يشوبها بعض الركود، ويغلب عليها التنافر، وهذا فيه خلل من جانب المعلم، والمتعلم، كما أن المتعلمين مسؤولون عن المحافظة على ممتلكات المدرسة، ومقتنياتها، ومقدراتها؛ لأنها في الأمس كانت المدرسة التي تخرج فيها آباؤهم، واليوم هي المدرسة التي يتعلمون فيها، وغدا ستكون المدرسة التي سيلتحق بها أبناؤهم، وهذا التسلسل التاريخي يحتم على الطلاب إعادة النظر في التعامل مع المدرسة ومقوماتها البشرية، والمادية، وأهمية المحافظة عليها.

أما الرسالة الأخرى فهي تركز على أهمية إدراك المتعلم أن دوره في العملية التعليمية يتعدى الدور التقليدي الذي يركز على الاستقبال، والاستظهار في أيام الاختبارات؛ فهو شريك حقيقي في العملية التربوية والتعليمية، ولا بد أن يكون دوره دورا إيجابيا، يتفاعل مع معلمه، ومع زملائه تفاعلا حيويا، ونشطا، وهذا الدور هو الذي تؤيده التربية الحديثة التي تؤكد على أن المتعلم هو محور العملية التعليمية، وشريك أساسي فيها.

والرسالة الثالثة لأبنائي الطلاب بمثابة تحفيز وتشجيع لهم على أن يكونوا اختياريين، بل انتقائيين في عملية الحصول على أو تلقي المعلومات، والمعارف؛ حيث في هذه الأيام تتنوع وتتعدد مصادر المعلومات المتوافرة على الشبكة العنكبوتية، وبعضها مناسب، والبعض الآخر غير مناسب، كما أن كثيرا من هذه المصادر غير موثوق بصحتها وأهدافها غير واضحة، أو لها أهداف خفية، وهذا يتطلب نباهة المتعلم لما يحصل عليه من معلومات، ومعارف فيما يتعلق ببعض الجوانب العقدية، والفقهية، والثقافية؛ لأن أغلبها غير موثوق بها، فقد يتم عرض قضية فقهية، ويستدل على الحكم الفقهي فيها بحديث موضوع، أو حديث مكذوب، وهكذا.. ولذلك لا بد من التقصي وعدم الانجراف وراء كل ما يكتب في الشبكة من المواقع مجهولة المصدر، وهنا أرى أن توظيف التقنية ونتاجاتها المختلفة في التعليم كمصدر معلوماتي يجب أن يتم التعامل معه بحذر، وفي حالة وجود أي معلومات تثير الشك يمكن الرجوع إلى المعلم المتخصص في المجال.

الرسالة الأخرى لأبنائي الطلاب تحثهم على المذاكرة، واستذكار دروسهم أولا بأول، لكي لا تتراكم عليهم الدروس في نهاية الفصل الدراسي؛ لأن الهدف ليس حفظ المعلومات فقط، واسترجاعها في ورقة الاختبار، بل الهدف هو التعلم بصورة وظيفية بحيث يكون الطالب قادرا على توظيف ما تعلمه في مواقف حياتية خارج الصف، وبصورة وظيفية، بمعنى أن يكون لما تعلمه من خبرات، ومهارات، ومعلومات دور وظيفي يسهم في حل مشكلاته اليومية، ويجعل لما تعلمه قيمة ووظيفة؛ فالتعلم بصورة وظيفية يحقق مبادئ التعلم الحقيقي، وتدوم عملية التعلم لفترة طويلة من الزمن بعيدا عن النسيان الذي يكون مداه في التعلم التقليدي لا يتعدى الشهرين، وبعد ذلك تتبخر هذه المعلومات، ويتم نسيانها.

وفي الختام أهمس في أذن كل طالب برسالة خفيفة وهي تقوى الله في السر والعلن، والنية الصادقة للتعلم، واحترام الكيان التعليمي بجميع مكوناته المادية والبشرية، والمحافظة عليه في جميع الأوقات، وفق الله الجميع لما فيه الخير، وجعل هذا العام عاما حافلا بالتوفيق والنجاح.