إذا كنت تسير في شوارع مدينتي باتايا أو بانكوك في تايلاند، ورأيت أحد الباعة الجوالين يعرض أطباقا كبيرة تحتوي على أصناف متعددة من الحشرات الميتة مثل دودة الأرض واليرقات والخنافس ودودة القز أو حتى الصراصير، أو وجدت في أحد الأواني زواحف مثل العقارب، فلا تعتقد أنها مخصصة للطلاب ليستعينوا بها في دروس مادة الأحياء، بل تأكد أن هناك من سيأتي بعد قليل ليتناول وجبة "شهية" من الحشرات المقلية أو المشوية المضاف إليها أنواع من الصلصات والتتبيلات والبهارات التايلاندية لتكتمل أركان تلك الوجبة، التي تحظى بشعبية بين جزء غير قليل من أهالي البلاد، وكذلك بعض من تستهويهم غرائب الطعام من السياح.

"الوطن" كانت حاضرة قرب إحدى البائعات في باتايا، التي عرفت عن نفسها باسم "هينو"، للبحث عن سر الاهتمام بتلك الوجبة، وعرفنا أن الإقبال على تلك الوجبة يتركز في صفوف التايلانديين، الذين لا يستطيعون دفع ثمن اللحوم الحمراء بسبب ضآلة دخولهم، أو الذين ملوا طعم الأسماك في ذلك البلد، الذي تمتد سواحله على أكثر بقليل من 3 آلاف كيلومتر، إذ يبلغ سعر طبق صغير من الحشرات المقلية أو المشوية المتبلة حوالي 10 بات، وهي العملة التايلاندية المحلية، أي ما يعادل ريالا وربع الريال، وهو ما يمكن أن يتوفر لدى أي شخص مهما ضاق حاله، ويتضاعف ذلك المبلغ إذا كبر حجم الطبق.

وقد واجهتنا صعوبة في التواصل مع البائعة "هينو"، التي لا تتحدث أي لغة غير التايلاندية، ولكن كنا محظوظين عندما وجدنا أحد أهالي البلاد من العاملين في السياحة ممن يتحدثون الإنجليزية، وكان واسطة التواصل مع البائعة، التي قالت إن مصدر تلك الحشرات هو الغابات، إلى جانب مربي الحشرات والزواحف، الذين يعرضون الحشرات والزواحف الحية في الأسواق الشعبية. وبعد شرائها وتجميعها توضع في الماء حتى تموت، ثم تغسل وتنظف جيدا قبل طهيها.

وحول وجود أخطار ناتجة عن البكتيريا التي تتكاثر بشدة على الحشرات، أكدت هينو أن عملية القلي أو الشواء كفيلة بالقضاء على كافة أنواع البكتيريا، مؤكدة أن جميع وجباتها لا تحمل أخطارا صحية بدليل أنها تتناول الحشرات منذ أكثر من 30 عاما وأن صحتها على أحسن حال.

أما البهارات والتتبيلات، فهي متنوعة، فقد قالت إحدى الزبونات إنها تفضل طبق الحشرات المقلية مع قليل من الملح للاحتفاظ بالطعم الأصلي المقرمش، فيما يحب آخر الطعم الحار، بينما يفضل زبون آخر أن تطهى الحشرات مع بعض الأعشاب والبهارات التقليدية وصلصة الصويا.

من الناحية العلمية، تعد الحشرات مصدرا غنيا بالبروتينات، إذ يحتوي 100 جرام من اليرقات المجففة المطهية على 53 جراما من البروتين بحسب موقع منظمة الغذاء العالمية "فاو"، في مقابل نصف ذلك المعدل من البروتين في لحم البقر. ولكن هل يأكل جميع التايلانديين الحشرات؟. سؤال طرحناه على أحد المقيمين البريطانيين في تايلاند منذ عام 2000، الذي طلب أن أدعوه "مارك"، وكان الجواب أن ثنائية الريف والمدينة في العالم الثالث تتجلى بشكل صارخ في البلاد، إذ يعاني الريف، وخاصة في الشمال والشمال الشرقي، والمهاجرين الريفيين إلى المدن الجنوبية، من فقر غذائي يتم تعويضه عبر تناول البروتين الرخيص القادم من الحشرات، فيما تتمتع الطبقات المتوسطة والغنية بوضع جيد يمكنها من تناول اللحوم بأنواعها، وهي تأنف تناول الحشرات ولا تطيقها.

وعما إذا كان قد خاض تجربة تذوق الحشرات خلال إقامته الطويلة في تايلاند، قال إنه جرب تناول اليرقات، ولكنه لم يستسغها، وعندما أبديت استغرابي، فوجئت بأنه يقول لي إن أشقائي العرب في بعض مناطق الجزيرة العربية يتناولون الجراد، وماذا يكون الجراد إلا نوعا من الحشرات؟. ليتبين لي لاحقا أنه تنقل في مرحلة من حياته للعمل بين البحرين والإمارات واليمن.