من أصعب التجارب الكتابية اختزال الفكرة في أقل طاقة لغوية محقونة، في النسيج النصي والإيجاز المكثف، والاحتشاد عبر ذخيرة معرفية وبلاغية مصهورة ومندسة بين الكلمات، وهذا ما فعله الأديب "جوزف لبّس" حين تلقف سلال ما قاله المفكرون والعلماء والفلاسفة والشعراء في الشرق والغرب من النصوص والحكم والأمثال والأقوال المأثورة والمختارة بدقة متناهية وجهد شاق، قلما يتوافران لباحث ليضمها في سلة واحدة بعنوان: "تفاح من ذهب".. وهذا ما اقتطفته من تلك الحدائق:
"أعطاني أبي بستاناً من عنب ولم أقدم له عنقوداً واحداً. أريج الزهور يلتصق دائماً باليد التي تقدمها. تستطيع بالإبرة أن تحفر بئراً. لو أدرك الناس ما قاسته والدة ما قام في الأرض حرب أو أبيح دم. الإيمان ذراع النفس وهي ترتفع إلى السماء تبتهل، والكفر ذراعها المبتورة. لولا البحر ولولا المرأة لبقينا يتامى فكلاهما يغطينا بالملح الذي يحفظنا. التواضع هو أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحداً إلا رأيت له الفضل عليك. أشد العلماء تواضعاً أكثرهم علماً، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء. لو كان الجنون مرضاً يؤلم لسمعت الصراخ في كل بيت. البلبل على ضعفه وصغره هو بطل الحرية، ما أودع قفصاً إلا ومات فيه غماً أو انتحر يأساً. إذا أمطرت السماء بلحاً فافتح فمك. إذا بكى الجبل ذرف ينبوعاً. الدنيا أولها رجاء من سراب، وآخرها رداء من تراب. الدِين ليس مصباحاً تحمله في يدك وإنما هو نور في قلبك. سأتخلى عن كل عبقريتي وكتبي لقاء امرأة تنتظر قدومي على العشاء بلهفة وشوق. من يتردد بين مقعدين يقع أرضاً. السلاحف أكثر خبرة بالطرق من الأرانب.
رأيت وأنا أسير في إحدى المقابر ضريحاً كتب على رخامته "هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق" فعجبت كيف يدفن الإثنان في قبر واحد. كن كشجرة الصندل تعطر الفأس التي تقطعها. إن النحلة رائعة ولكن حين تكون في خليتها، وإن غادرتها فلا تصبح أكثر من ذبابة. كلمة واحدة رقيقة أصغي إليها حياً خير عندي من صفحة تمجيد كاملة في جريدة حينما أكون قد مت ودفنت. غضون الوجه والجبين أثلام يشقها محراث الحياة. الشَعر الأبيض هو أرشيف الماضي. زرعت أوجاعي في حقل من الصبر فنبتت أفراحاً. الأعمى عينه مقلوبة تنظر إلى الداخل. ينبغي أن نرفع القلب عالياً لا الرأس. لا يضيرني أن ليس على رأسي تاج ما دام في يدي قلم. الكلمة نقطة حبر صغيرة تسقط كقطرة ندى فوق فكرة تجعل الآلاف بل الملايين يفكرون. لو كنت موجة من أمواج البحر لحملت درة من درره كلما غمرت الشاطئ. ما عرفت أسخف من الذين يحفرون أسماءهم في الصخور ليخلدوا".