يوهمك البعض أن الأماكن العامة وتحديدا المجمعات التجارية غابة مليئة بالوحوش والحيوانات المفترسة، عليك أن تمشي بحذر حال دخولك إليها، وأن تتوقع الكثير من الجرائم والمجرمين والأنياب والمخالب والدماء والضحايا، لذلك أصبح بعض مطلقو تلك الفكرة يوجدون بكثرة هناك تحسبا لأي جريمة وحشية بتلك الغابة.

وحالما يوجدون هناك يقومون بمطاردة الشباب ـ الوحوش بنظرهم ـ وتفتيشهم والتحقيق معهم والصراخ على الفتيات أحيانا، وإثارة القلق داخل تلك المجمعات، فقط لاعتقادهم أن من يوجد هناك مجرم ولا بد من إلقاء القبض عليه ومداهمته والتحقيق معه.

الحقيقة أنه لا يوجد وحوش ولا غابة، لكن تلك الفكرة التي أطلقوها واعتنقوها وأرادوا تثبيتها في أدمغة الناس ما هي إلا فكرة خاطئة بحق أخلاق الشباب والفتيات وبحق تربيتهم وسلوكياتهم، وإن كانوا يرون غير ذلك إلا أن فكرتهم تلك لن ترفع من أخلاق الشباب والفتيات، ولن تنمي بداخلهم احترام الأماكن العامة ولا زرع السلوكيات النبيلة فيهم ولن تجعل غابة وحوشهم جنة أبدا بل ربما ستتسبب في ظهور وحوش كثر.

الشباب والفتيات يريدون أن يكون أولئك معهم لا ضدهم، لا يريدون أن يشكك أحد بأخلاقهم ولا بسلوكياتهم، ولا أن تتم مطاردتهم والتحقيق معهم كالمجرمين، ولا مانع من دخول الأسواق وإحراجهم أمام الجميع، ولا مصادرة حريتهم في قضاء وقت ممتع مع عائلتهم أو أصدقائهم.

هم بحاجة لاحتواء وحب وعناية وتوجيه، بحاجة لتنمية الرقابة الذاتية بداخلهم، هم بحاجة إلى برامج توعوية ترفيهية يستمتعون بها ويستفيدون منها، وإلى أشخاص يستمعون لهم ويساعدونهم بتخطي مشاكلهم ويبادلونهم الثقة والاحترام، وإلى أماكن خاصة تحتويهم وتحتضن مواهبهم وطاقاتهم المدفونة. بحاجة لأن تنظروا إليهم بعين أخرى غير عين الشك والقسوة، عين ثقة وعين فخر وعين رحمة.

يجب أن تستبدل فكرة "الغابة والوحوش" بحقيقة "الورود والجنة" لأن الشباب والفتيات كورود ملونة جميلة، يحتاجون قطرات حب وثقة ترويهم، وشمس أمان تضيء حياتهم وأياد حانية تمسك بهم بكل رقة وخوف عليهم.