في مثل هذه الأيام من كل عام نتذكر يومنا الوطني كأي مناسبة عابرة ثم ننسى!! لكن ماذا علينا أن نفعل أكثر مما نفعل؟ الواقع يقول إننا ما زلنا نحتفل بهذا اليوم ضمن الإطار التقليدي الذي يتكرر كل عام في الصحيفة وعبر الإذاعة وعلى الشاشة، كلام كثير وهذر يتردد.. نعلج بألسنتنا الكلام نفسه ونردد الموال نفسه، ونرصع كلامنا بالمحسنات البديعية والمفردات اللفظية ونتقعر بالفصحى أمام الميكرفون والكاميرا لمجرد أننا نتزين بكلامنا، ولا نتحدث بعفوية بلهجتنا الدارجة التي تعيننا أكثر على المباشرة والصدق في الحديث وإخلاص القول، والواقع أن سبب ذلك هو سوء إدارتنا الإعلامية لطريقة الاحتفاء باليوم الوطني... يسألك المذيع ما هي مشاعرك في هذه المناسبة؟ وهذا سؤال هش وساذج، وإلا ما معنى أن تسأل أحداً عن مشاعره في يوم مفرحه وأنت تعلم أنه سعيد وفرحان!!وعلى النقيض مثل أن تسأل أحدا في المقبرة وهو يهيل التراب ويسكب العبرات عن مشاعره في يوم حزنه، وأنت وأنا وكل مستمع ومشاهد نعلم أنه منكسر وحزين!! فالمسألة بديهية لا تحتاج لسؤال تعيس مثل هذا، ومع كل ذلك فإن السؤال عن مشاعرك في اليوم الوطني يتكرر والإجابة نفسها ـ بالطبع ـ تتكرر منذ عقود، ولا نتغير ولا نحاول أن نجدد في طرائق وأساليب احتفالنا، لطالما أعدنا الفيلم نفسه الذي نعرضه منذ عقود عن فتح الرياض مع أن لدينا القدرة على إنتاج أفلام عديدة وبصيغ وسيناريوهات وإخراج متجدد، كما أننا نعيد استضافة الوجوه نفسها والأسماء نفسها والإجابات نفسها، مع أن الأجيال تتجدد وتتشبب، لكننا نصر ونتمسك الأشخاص أنفسهم الذين غادرهم الزمن المنسحب مع جيل الإعلام الجديد والوسائط المتعددة.
أيها التلفزيونيون والإذاعيون والجرائديون جددوا وغيروا لكي تجذبوا الشباب المنصرفين عنكم. اجعلوا ضيوفكم من الشباب ودعوهم يتحدثون على سجيتهم كل بلهجته حتى نعزز من تنوع هوياتهم، وإذا كان لا بد من السؤال فقولوا لهم بعيداً عن رصد المشاعر ماذا تريدون من وطنكم في ذكرى تأسيسه؟ واسألوهم كيف نصل بهذا الوطن إلى الصفوف الأولى بين الدول؟ وقولوا للشباب ماذا أعطاكم الوطن؟ وماذ ستعطونه؟ اسألوهم ما هو ردكم على من يستهدف الإخلال بهذه الوحدة المجيدة؟ ما هو ردكم على من يثير الفتنة المناطقية والقبلية والمذهبية؟ كيف ترون الوطن بعد عقد من الآن؟ ماذا ينقصنا؟ ما هي أخطاؤنا؟ ثم برأيكم كيف نصححها؟ ماذا تريدون من وزير الصحة؟ وماذا تريدون من وزير التربية والتعليم؟ ووزير الإسكان؟ ومدير الجامعة؟ ماذا تريدون من رعاية الشباب؟ كيف برأيك نطور رياضتنا؟
اسألوهم وامنحوهم الفرصة والثقة وستندهشون من كثرة الخيارات والحلول.. وجدة الأفكار التي ما خطرت على بال الأولين المتكلسين.. ارصدوا إجاباتهم واجعلوها خطة شبابية طموحة لبناء الوطن وفق ما يريد الجيل الذي سيتولى الزمام في العقود القادمة.
أكثر ما أخشاه هنا وأنا أسعى لطرح تصور مغاير عن الاحتفال الإعلامي بذكرى اليوم الوطني أن لا يقرأ أحد هذا المقال باعتبار أن القراء لا يلتفتون غالباً لهذا الهذر الكتابي والكلامي المتكرر الذي لا يطرح جديداً ولا يقول شيئاً، ولهذا ينصرف القراء غالباً عن قراءة أو حتى تصفح الملاحق المترهلة التي تصدرها الصحف في هذا اليوم، ولو قلبت ملاحق الصحف خلال اليومين القادمين وقارنتها بالملاحق الصادرة قبل عشر أو عشرين سنة لرأيتها متطابقة، ربما المقالات نفسها، الكتبة أنفسهم، والتحقيقات نفسها، والتقارير نفسها.
اللهم اقسم لمقالي هذا قارئاً مسؤولاً في وزارة الثقافة والإعلام، ويسر له اجتماعاً عاماً مع ذوي الأفكار الخلاقة والقدرات الإبداعية لنجعل من ذكرى يومنا الوطني القادمة حقلاً مزدهراً ونبعاً فياضاً بالأفكار الجديدة والمختلفة، التي تجعل ذكرى الاحتفاء يوماً تنموياً وورشة عطاء لا ينضب.. كل عام وأنت يا وطني مهد لمحبيك الذين يشعلون لك الطريق نحو ذرى المجد.