رصد الباحث في التاريخ الدكتور عائض الزهراني ملامح وسمات (مدرسة التاريخ المكي). وقال في دراسة إنه صاحب ظهور هذه المدرسة الدعوة لنشر الدين، تلك الدعوة التي انطلقت من أرض مكة حيث ميلاده ومبعثه صلى الله عليه وسلم، وصاحب مرحلة نشر الدين رحيل العديد من أبناء مكة مع قوات المسلمين يشاركون فيها وفي صنع تلك الأخبار والأحداث ويكتبون بالسيوف جانباً من فقهها وتاريخها، وكانوا هم التاريخ الجديد حيث استقر العديد منهم بمختلف البلدان المفتوحة، ومن ثم فقد وقفوا على عادات وتقاليد أصحاب البلدان الأصليين وتأثروا بهم وظهر ذلك جلياً في كتاباتهم فيما بعد.
وتابع الزهراني في دراسته التي حملت عنوان (ملامح المدرسة التاريخية المكية) أن مكة منذ ظهور الإسلام بها أصبحت بلد جذب لأنظار المسلمين الأوائل وقبلة لأعلام الإسلام للوقوف على تعاليم الدين الإسلامي والاستزادة من علوم الشرع والإقامة في كنف بيت الله الحرام، فأصبحت مكة موطناً للعديد من مؤرخي الإسلام الذين أثروا حركة التأريخ المكي بشكل كبير بمؤلفاتهم التاريخية القيمة؛ وبالتالي فقد أم مدرسة التاريخ المكي مؤرخون مسلمون سواء من أبناء مكة أو الوافدين عليها سواء لطلب العلم أو المجاورة والإقامة بها أو ممن اتخذها موطناً له حتى وفاته.
ورأت الدراسة أن مدرسة التاريخ المكي مرت منذ العهد الأول للإسلام بعدة مراحل، المرحلة الأولى منها هي (التاريخ الشفوي) حيث تتعدد المصادر التاريخية التي يعتمد عليها المؤرخون في تدوين أحداث التاريخ كالرواية الشفوية التي لها مكانة متميزة في تراثنا الإسلامي، وشهدت البدايات الأولى لظهور الرواية التاريخية في صدر الإسلام، والتى تمثلت في السماع عن طريق الرواية الشفوية نظراً لغلبة الأمية في العهد الأول للإسلام، فكان الاعتماد على الحديث والسرد الشفوي للحدث التاريخي.
أما المرحلة الثانية وهي (التاريخ المكتوب) ففيها تتابع ظهور المؤرخين وتطور المنهج التاريخي مع بدايات القرن الثالث الهجري بمختلف بلدان العالم الإسلامي نتيجة لانتشار الدعوة إلى التعليم واتساع حركة ترجمة العلوم فظهرت كتابات ابن عبد الحكم في التاريخ إلى جانب الهيثم بن عدي (ت207هـ ) وهو صاحب أول مؤلف في تاريخ الإسلام مرتب على السنين وله كتاب المثالب، المعمرين، وأصبح إماماً لمدرسة التاريخ بها ومصدر إلهام لمن جاء بعده من مؤرخي مكة على مدى قرون طويلة أمثال أبوعبيد القاسم بن سلام (224هـ) والذي أقام بمكة وتوفي بها. ثم جاء أبو الوليد الأزرقي (ت244هـ) فكتب في أخبار مكة.
ويلفت الزهراني أستاذ التاريخ المشارك ووكيل كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر
بجامعة الطائف إلى أنه بعد إسهامات كل من الأزرقي والفاكهي توقفت حركة التأليف بمكة المكرمة منذ أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، ودخل تاريخ مكة المكرمة في غياهب الإهمال التاريخي والنسيان ولم تجد الاهتمام الكافي من المؤرخين، فهناك فجوات وثغرات مجهولة في تاريخها العلمي والحضاري واستمر ذلك النسيان قرابة خمسة قرون.
وتؤكد الدراسة أنه في مطلع القرن التاسع الهجري أصبحت مكة مركزا علميا هاما وملتقى طلبة العلم، حيث تخرج منها علماء كثيرون في مختلف المجالات وأصبحت منبعا علميا نهل منه العديد منهم.
ويعد المؤرخ تقي الدين الفاسي (ت832هـ) أول من تصدى للكتابة التاريخية بمنهج يتسم بشيء من الاستقلالية عن المدرسة التاريخية المصرية.
وحفلت مكة المكرمة بعد عصر الفاسي بعدد كبير من المؤرخين الذين كان لهم دور كبير في تطور الفكر والكتابة التاريخية واتضحت معالم المدرسة التاريخية المكية.
وأحصى أحد الباحثين أن عدد المؤرخين ما بين القرنين الثالث والثالث عشر الهجري مئة وسبعة وثمانون (187) مؤرخاً مكياً قاموا بتأليف أربعمائة وستة وثمانين مؤلفاً (486) تناولت التاريخ ومتعلقاته.
ويذهب الزهراني إلى أن الدارس لكتابات مؤرخي الحجاز في هذا العصر يلحظ أنهم شكلوا بكتاباتهم مدرسة تاريخية مستقلة عن غيرها، كما عنوا بتدوين الأخبار المستقاة من المصادر الرئيسية، وكتبوا حسب مشاهداتهم ومروياتهم وما يصلهم من معلومات. ويعد هذا من الملامح المميزة لمدرسة التاريخ في مكة المكرمة.