البشر؟ البشر لطيفون، يزينون الأرض التي يمشون عليها، متسالمون بشكل يشبه موسيقى لا تملك إلا أن تقول نحوها: "الله.." جيدون لحدٍ فائق، تأكل القطط وجباتهم الثلاث ولا يلتفتون لها حتى، هم كل ما سبق إلا حين يمتطون السلطة المطلقة، فقط حين يفعلون ذلك يصبحون شأنا لا يمكن لك تفسيره، أحجية كونية لا يوجد لها حل. فالبشر يميلون لأن يكونوا سلطة، لكنهم ينفرون حين تمارس عليهم.. فهذه الحروب التي يطحنون فيها بعضهم ويقسمون بها ما تبقى منهم، جاءت حين اعتقدت مجموعة بيدها القوة أن عليهم أن يفرضوها على غيرهم بأي شكل كان، مع أنهم كانوا قبل ذلك يمارسون حياتهم بكل لطف، يتمشون مع كلابهم صباحاً، وتتمشى معهم عصراً.. يقرؤون الجرائد ويصيبهم الغثيان مثل الآخرين، يشجعون فريقاً لا ينتصر عادة.. ويلقون النكات السمجة على أصدقائهم ليلاً.. لكنهم انقلبوا، نسخة بغيضة لا تستطيع أقرب الكائنات التعرف عليها. فالإنسان المتسلط متطفل بالضرورة، من تدخله بالتفاصيل، مروراً بفرض ما يراه حسناً، وصولاً لرغبته الملحة بالسيطرة وهوسه الدائم بالطاعة.. وبشكل أوسع، خذ مقطعاً طويلاً للأنظمة التي تمثل دور الأب الديموقراطي المهتم بأن يقلده أبناؤه الصغار الذين يخطون خطواتهم الأولى، تلك الأنظمة التي تسخر من الديكتاتوريات تصبح غولاً حين تتعارض مصالحها مع مجموعة من البشر قد لا يشكل وجودهم أي فائدة تذكر على مصير العالم، فتجيش كل ما تستطيع لمحاولة تطويعهم، إذلالهم، وربما تنويمهم بمراحل لاحقة.. قبل أن يستيقظوا بدورهم ليشكل كل منهم طموحاً ممتداً ليكون سلطة تعيد ما فعله الآخرون بها.. إلى أن يصل الأمر يوماً لأن يصبح الكل سلطة بهذه الأرض، حينها لا يجدون بشراً يستطيعون ممارسة تحكمهم عليهم، محققين بذلك ما قاله توفيق الدقن - رحمه الله - ذات فيلم: "البلد بقت كلها فتوات، أمال مين اللي هينضرب"!