لا أعلم إن كنت قادرة على الصمت.. التجاهل.. الانشغال بأمري الخاص، أم سأبقى كما أنا داخل دائرة واسعة تشملني وتشملك وتشملنا جميعا، فمع كثرة المتمركزين والساكنين الآمنين الوافدين داخلها، أجد نفسي أتنفس بعمق وأتحرك بحرية، لذا أعتقد أنه من المحال أن أغير أرضي أو توجهي الفكري أو أختار الخروج عن حدودهما.
المعذرة إن لم تفهم ما قلت، لكني كنت بحاجة لأقول تلك الكلمات لأبث بعدها تحذيرا صدر مني منذ سنوات عدة وعبر هذه الصحيفة، وما دعاني للتذكير بها هو خبر نشر مؤخرا في إحدى الصحف العربية على لسان مسؤول تقني سعودي فضل عدم الكشف عن اسمه، إذ ذكر: (إن وزارات وأجهزة حكومية سعودية تعرضت إلى عدة محاولات اختراق من جانب الكيان الصهيوني، بعد أن اعتمدت "أتمتة" عملها وبشكل كامل) والأتمتة مصطلح جديد يعني تحويل العمل اليدوي إلى آلي، يطلق على كل الأنشطة التي تعمل على الأغلب بشكل ذاتي دون تدخل بشري، ويمكن تطبيقه في كافة المؤسسات سواء كانت أمنية أو مدنية عسكرية صناعية تجارية.. إلخ وهي عملية تهدف إلى الاعتماد الكلي على الآلة التي يتسم عملها عادة بالدقة والسرعة، علما أن معظم الأجهزة الحكومية في المملكة تعمل اليوم على تنفيذ كافة أعمالها إلكترونيا.
وقد بين هذا المسؤول: (أن الأجهزة الحكومية السعودية تمكنت – بحمد الله- من التصدي لمئات من محاولات اختراق شبكاتها الإلكترونية صدرت بالذات من الكيان الصهوني خلال العام الماضي، وأن إحدى الوزارات الخدمية في السعودية صدت أكثر من 30 محاولة اختراق في يوم واحد) كما ذكر: (أن هذه المحاولات شملت إرسال ملفات تحوي فيروسات إلكترونية خطرة تستهدف تعطيل كافة شبكات الوزارة مما يسهل الحصول على كل بياناتها).
قد يمر هذا الخبر على أحدنا مرور الكرام ما دامت تلك المحاولات باءت بالفشل بحمد الله، ولكن لأن بعضنا مصاب (بفوبيا صهيون) إن صح تعبيري، وهذه فوبيا لا تسمح له بذاك المرور، فلا بد لي من أن أتوقف وأحلل وأحاول الاستنتاج، ثم أنقل لكم ما قد يفهم أولا يفهم، ما يثير اهتمامكم وما قد لا تتوقفون عنده، ولكني ملزمة بالتحدث وبصوت واضح، لعل الصوت المدوي يترك بعض الأثـر الإيجـابي بإذن الله، فهذا الاختراق يمكن لي أن أتصور أن يقوم به كثر غير الصهاينة، بل لا أستبعد أن تستخدم من قبل جارة لنا، أو من يفترض أن تكون بحكم الجغرافيا، بل لا أستبعدها من بعض أبنائنا المغرر بهم، إنها حرب من نوع آخر، جاسوسية مخربة لم يشهدها الإنسان من قبل، خاصة أن معظم المعلومات الاستراتيجية الوطنية مجيرة إلكترونيا، والخوف من أننا في الأيام المقبلة سننسى الورق ونهمل التعامل به، وننسي القلم ونستبدله بالأزرار، الخوف أن نتحول إلى عبيد آلة صنعها الإنسان لتخدمه فتحولت إلى سيد يخدم ويطاع.
وسأذكر هنا بعض ما نقلته لكم في مقال قديم عنون بـ"مفاتيح سرية في حاسوبك" فقد تطرقت لما ذكرته (نوريينا هرتز) في كتابها (الاستيلاء الصامت) فقد أشارت إلى نوعية جـديدة من الأعمال التجسسية الأميركية بقولها: "إن مسـؤولين أميركيين بـارزون يقـومون من خلال عمليات تجسسية بنقل الأسرار التجارية إلى قطاع الأعمال الأميركي"، كما أشـارت إلى تقارير البرلمان الأوروبي الذي أكد وقـوع سرقات لمعلـومات أوروبية وآسيـوية قامت بها شركات أميركية عبر وكالة الأمن القـومي، ثم أوصلتهـا إلى وزارة التجارة الأميركية، ومن الضحايا الذين ذكرهم التقرير الأوروبي (الإيرباص)، وشركة (تومسون سي أس أف) الفرنسية، كما قال (هورست تيليشك) وهو مستشـار أمني لدى الحكومة الألمانية: (اكتشفنا أن الأسرار الصناعية تسحب بدرجة لم تحدث من قبل أبدا) أما الكاتب الأميركي (كينيون جيبسون) فقد ذهب إلى أنه: (لا يستبعد مطلقا أن تكون وكالة المخابرات المركزية مهتمة بجمع المعلومات الداخلية بحيث تستطيع التحكم بالفرص التجارية في السوق العالمي، إذ لا شيء يمنعهم من وضع القوانين التي تساعد أحد مجالات العمل وإعاقة آخر.. إشعال الحروب وخلق أجواء التوتر وعدم الاستقرار) وهكذا سيستطيعون التحكم بمبيعات وأسعار النفط والسلاح والدواء والمؤن.. إلخ
إن عالمنا اليوم مهدد، فمعظم دول العالم تتطلع (للحكومة الإلكترونية) والأمـر لا يتوقف على التجارة، المحور الأساس للعولمة، بل يتعداه إلى إيجاد عالم واحد فكرا ونظاما وأسلوب حياة، عالم تتحطم فيه كافة الاختـلافات الإيديـولوجية الفكرية، ليكون صورة مستنسخة من الفكر البرجماتيزمي الأميركي، وبالتالي لا أستبعد أن حروبا عالمية قادمة ستدار خلف شبكات الإنترنت، بجيوش من بضع أفراد يرتشفون أكواب القهوة.. حروب تستهدف الأمن والصحة وكل مقومات الدول، حروب تتطلع إلى تحقيق أهدافها بأقل الخسائر، فهي حرب بمواصفات تقنية.
لقد استطعنا اليوم -بحمد الله- حمـاية معلوماتنا، ولكننا لو تغاضينا غدا عن هذا الخطر ولم نوله جل اهتمامنا فقد نفشل - معاذ الله- ونتضرر، ولذا أطالب بدعم مصانع الورق والمدمنين على القلم التقليدي، وعلى حمل الملفات وتصفيفها، لتكون داعمـة للأتمتة، حـافظة لها بإذن الله، كما أطالب وزارة التربية والتعليم بعدم الاعتماد الكلي على التعليم الإلـكتروني، فقد ينسى أبناؤنا كيف يُمسك القلم وكيف تُحرك شفرته، بل قد يستنكرون عشقنا للخط العربي اليدوي أمام إبداع الآلة، كما أطالب المعنيين في البلاد بتبني المبدعين من أبنائنا في المجال التقني، ولو كانوا من مخارج التعليم التقني المتوسط، بل ممن تفوقت حركتهم قبل ذلك، فنحن بحاحة إلى جيش متمكن تقنيا ولاؤه للدين ثم الوطن، جيش تكون مهمته الأولى تعطيل أي حراك تجسسي يهدف الاستيلاء على معلومات تتعلق بمقدراتنا وأسرارنا الوطنية، أو يهدف إلى تعطيل حراكنا اليومي وتوجيهه لوجهة معينة.