أربع سنوات مرت على أحداث السابع من أيار (مايو)، ومازالت تبعاتها حتى اليوم يعيشها اللبنانيون في الخوف والحذر من تكرارها في ظل سلاح "حزب الله" وتسلطه على الساحة اللبنانية.

7 أيار كانت حربا من نوع آخر، مفاجئة رغم الدلائل الكثيرة على قيامها من شحن للنفوس ومن اعتداءات، ومن سلوكيات فريق الثامن من آذار (مارس) الذي يتحرك بواسطة "الريموت الكونترول" من نظام دمشق حينا ومن المرشد الأعلى الإيراني حينا آخر. فريق نسي ما فعل معه اللبنانيون والعرب دفاعا عنه في حرب أشعلها قصدا بحجة تغيير المعادلات مع إسرائيل وكان الثمن كبيرا جدا على كل اللبنانيين، إذ رأى هؤلاء أن "حزب الله" طبق المثل القائل "افعل خير شرا تلقى".

اللبنانيون كانوا ومايزالون يعيشون تحت صدمة جريمة كبرى هي اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي ارتكبها النظام السوري بفتوى إيرانية ونفذها على الأرض، حسب ما يظهر حتى الآن من تحقيقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من "حزب الله" بتغاض من الأجهزة الأمنية التي كانت تحكم لبنان آنذاك.

قوة السنيورة

كان الرئيس فؤاد السنيورة قويا بما يكفي ليوقف عدوان تموز 2006 بفضل اتصالاته العربية والدولية وشهامته، فاتهم بالضعف لأنه كان حازما في عدم تمرير مشاريع "حزب الله" الهادفة لإعادة النفوذ السوري إلى لبنان تحت عناوين عدة، وإلى تعويم النظام الأسدي الذي كان يعيش عزلة دولية بفعل ممارساته ومسؤوليته عن عمليات الاغتيال التي طالت قيادات الرابع عشر من آذار، إثر انسحاب جيشه من لبنان في أبريل 2005 وبعدما جاءت نتائج الانتخابات النيابية في ذلك العام، لتؤكد أن أكثرية اللبنانيين تؤيد طروحات هذا الفريق بفعل رؤيته لقيام الدولة وتحقيق العدالة. إلا أن هذا الأمر لم يرق لـ "حزب الله" ولا لأمينه العام حسن نصر الله الذي اختفى تحت الأرض خوفا من أن تطاله إسرائيل كما يدعي وما زال مختفيا حتى اليوم، ولم يظهر إلا في مناسبتين. سياسة الاختفاء هذه كانت لأهداف معروفة، كونها تذكي السعار المذهبي في لبنان المطلوب إشعاله في لبنان والمنطقة لخدمة أنظمة "الممانعة" في المنطقة ورمزها النظام السوري وهذا ما ظهر لاحقا.

إنها حرب السابع من أيار 2008 التي اشتعلت في بيروت والجبل والشمال على أيدي ميليشيا ما يسمى بـ "المقاومة" والسلاح الذي قيل إنه موجود للدفاع عن لبنان، تحولت وجهته إلى اللبنانيين في الداخل، وهذا ما شكل مفاجأة كبيرة لاسيما للطائفة السنية التي كانت قبل أقل من سنة ونصف قد استضافت المهجرين الشيعة من الجنوب الذين تركوا أرضهم ومنازلهم بفعل "حرب النصر الإلهي"، في المنازل والقلوب، وتخطت حاجز ما كانت تلاحظه من تعبئة مذهبية يمارسها ذلك الحزب تحت عناوين مختلفة وظهرت سياسيا في المطالبة العلنية بضرب اتفاق الطائف الذي ينص على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، بالمثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين.

ذهول أهل بيروت

أيام سوداء وحكايا كثيرة جرت في ذلك اليوم والأيام اللاحقة والتي رسمت لأجواء تشبه الإعلان عن حرب أهلية كان لبنان بغنى عنها، بدأت ممارسات "حزب الله" وحليفته حركة "أمل" وميليشيات النظام السوري من أحزاب، تكشف الوجوه الحقيقية، وسط ذهول أهل بيروت في المنطقة الغربية. ممارسات بينت مدى الحقد على الناس. فجأة رصاص وقذائف وإطلاق نار وحواجز ثابتة ونقالة تنتشر في الأحياء وملثمون يسألون عن الهوية، جدران مدينة بيروت امتلات دفعة واحدة بالشعارات والأعلام الصفراء والخضراء والسوداء التابعة لأحزابهم، حرب أهلية جديدة، سلاح لحماية السلاح. رفعوا شعارات التصدي للعدو الإسرائيلي والزحف نحو القدس ودخلوا بيروت. غيروا وجهتهم من مواجهة العدو إلى مواجهة الناس الأبرياء في بيوتهم لتغيير المعادلة.

زوار الليل

القناصة انتشروا على الأسطح ووجهوا رصاصهم نحو العابرين من دون تمييز بين طفل أو امرأة أو شاب. إرباك، والناس لا تصدق ما يجري، إعلامهم كان ينظر لمعاركهم ويجهز الأرضية للاعتداءات والممارسات المجنونة، الفتنة بدأت ولعن الله من أيقظها، هكذا دافع أهل المدينة عن أرواحهم وممتلكاتهم بالإدراك بأن من كان من المفترض أن يكونوا إخوانهم قبلوا بالفتنة. فجأة اختفى أشخاص من منازلهم أو حين ذهابهم إلى أعمالهم، وفي آخر الليل جاء زائرون يزيدون نار الفتنة اشتعالا.

مؤسسات إعلامية احترقت ومراكز "تيار المستقبل" احتلت بعد اعتقال عناصرها في أحياء رأس النبع وطريق الجديدة وفي النويري. وإعلامهم كان جاهزا للكذب لتبرير ما يحصل. إعلام "غوبلزي" مشهود ومعروف.

في الحمرا كما في محيط قريطم. أحرقوا المنطقة للنيل من رئيس "تيار المستقبل"، وابن الرئيس الشهيد رفيق الحريري سعد الحريري. ضربوا تلفزيون المستقبل وأحرقوا مكاتب صحيفة المستقبل في الرملة البيضاء برصاصهم الحاقد، ومنعوا المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية الأخرى من التحرك، بعد اتهامها بأنها إعلام العدو الصهيوني. كان القاتل يريد أن تمر المجزرة من دون صوت ومن دون صراخ الضحية.

خطة الانقضاض

مقدمات 7 أيار ظهرت قبل أسبوع من خلال دعوة الاتحاد العمالي إلى الإضراب العام، أي في الثاني من أيار 2008، إذ إنه خلال اجتماع للاتحاد، تسرّب من ذلك اللقاء معلومات عن طلب بعض السياسيين بتثبيت الدعوة إلى الإضراب العام يوم السابع من أيار. كان الطلب واضحاً، قال أحدهم إنه غير مطلوب من الاتحاد العمالي إلا الدعوة إلى الإضراب مع تحديد نقاط للاعتصام، وتحديداً طريق المطار وأمام بعض الوزارات ودوار الطيونة. ما سرّب وقتها من الاجتماع أن القرار كان مقصودا فيه إغلاق الطرق بالتظاهر والاعتصام في شكل مختلف عمّا سبقه من اعتصامات وإغلاق طرق قامت به قوى 8 آذار.

السبب الرئيسي

هذه الأزمة لم تكن في أي حال وليدة إشكالات صغيرة، فالسبب الرئيسي لتفجر الأزمات في كل الظروف كان تقدم لبنان إلى الأمام في موضوع المحكمة الدولية مع الأمم المتحدة، وهذا ما كان يرفضه حلفاء سورية في لبنان طوال الوقت.

الظروف الداخلية في تلك الفترة لم تكن إلا كمثل بركان يتهيأ للانفجار، من جهة اعتداءات على مناطق بيروت يقوم بها مسلحون من قوى الثامن من آذار، وقطع للطرقات وإحراق للدواليب ورفض لانتخاب رئيس للجمهورية بعد رحيل الممدّد له قسراً إميل لحود من قصر بعبدا، وكذلك هجوم إعلامي على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومن معه من وزراء حاول "حزب الله" وحلفاؤه محاصرتهم في السرايا الحكومي. الهجوم الإعلامي التحريضي كان يختار في كل مرة سياسياً من قوى الأكثرية ليتهمه مرة بالعمالة لإسرائيل ومرات لأميركا وأوروبا وغيرها من الدول. كان الاغتيال السياسي يدور في بيروت والمناطق ككأس مرة على قوى 14 آذار في الوقت نفسه الذي كان فيه الاغتيال الإعلامي يتصاعد تدريجياً، وصولاً إلى السابع من أيار.

كانت تلك المرحلة تحضر لإلغاء المؤسسات الرسمية والدستورية، مثل المجلس النيابي الذي أغلق بقرار من رئيسه نبيه بري، ومنع هذا المجلس من اتخاذ قرار بانتخاب رئيس للجمهورية في ظل تلك الظروف. حتى إن محاولات الأكثرية طرح رئيس توافقي هو العماد ميشال سليمان، لم تحظ بموافقة "حزب الله" وحلفائه، وخصوصاً أن "التيار الوطني الحر" كان يرى في الظروف السيئة للبلد فرصة لإيصال رئيسه النائب ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وهو ما لم يستطع الحصول عليه.

إشكالات الشوارع، والهجومات على بيروت كانت قبل السابع من أيار حركة شبه يومية، كانت الأقلية ترسم الكثير من سيناريوهات إسقاط بيروت. حملات الاعتداء كانت تتصاعد يوما بعد يوم على المواطنين والمناطق، وكذلك الاعتداء على الأملاك العامة، وأدى تفلت بعض الموظفين من الالتزام بالقوانين وبما يصدر عن مجلس الوزراء، بأن تتخذ الحكومة اللبنانية قرارين لحماية اللبنانيين من تفلت "حزب الله" ومن يدور في فلكه.

القشة التي قصمت ظهر البعير

وصفت أحداث السابع من أيار 2008 بأنها الأكثر خطورة وعنفاً منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990. وجاءت إثر صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بـ "حزب الله" وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير. الأمر الذي اعتبرته المعارضة الممثلة بقوى الثامن من آذار تجاوزا للبيان الوزاري الذي يدعم المقاومة. ولما كانت الحكومة تعتبر في نظر المعارضة حينها "غير شرعية" بسبب تجاوزها حسب اتهاماتها لميثاق العيش المشترك، استعملت القوة في وجه حكومة الأكثرية الممثلة بحكومة السنيورة.

رفضت الحكومة مبررات "حزب الله" التي تقول إن إقامة هذه الشبكة يندرج في إطار حماية الحزب وربطها بسلاحه وبهدف التشويش على الأجهزة الإسرائيلية. وأكد وزير الإعلام حينها غازي العريضي أن الحكومة اللبنانية مستعدة لتزويد الجامعة العربية بكافة الوثائق ذات الصلة بهذه المسألة وبالدور الذي تقوم به هيئات إيرانية على هذا الصعيد. وأتى هذا القرار في أعقاب تصاعد التصريحات الإعلامية من أقطاب الأكثرية النيابية عن شبكة اتصالات تابعة لـ "حزب الله" في عدد من المناطق اللبنانية بموازاة شبكة الاتصالات التابعة للدولة.

تهديد حزب الله

بعد صدور القرارات قام "حزب الله" بإبلاغ المعنيين أن "أي محاولة للتعرض لهذه الشبكة سوف تواجه بمقاومة شرسة من الحزب الذي سيتعامل مع المتعرضين للشبكة على أنهم من عملاء إسرائيل". كما تحدث نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم قائلا إن "الاتصالات لشبكة المقاومة توأم سلاح المقاومة، ومن يوجه سهامه للاتصالات يعنِي أنه يوجه سهامه للسلاح، ويريد أن يقول لا تقاتلوا إسرائيل". كما انتقد التقرير الذي رفعه وزير الاتصالات مروان حمادة بشأن شبكة اتصالات الحزب إلى مجلس الوزراء، وقال إن تقريرا مبنيا على "الإمكانية" و"المحتمل" و"ربما" و"يمكن يصير"، هو تقرير يفتقر إلى المصداقية. كما اعتبر أمينه العام حسن نصر الله تفكيك شبكة اتصالات "حزب الله" بمثابة "إعلان حرب" مما وصفها بـ"حكومة جنبلاط" على الحزب والمقاومة "لمصلحة أميركا وإسرائيل".

في حين اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري قرار إقالة العميد شقير أنه خطوة "تعني ملامسة المحرمات، وليس فقط الخطوط الحمر"، كما أن بري أبلغ الرئيس السنيورة رسالة "شديدة اللهجة" باسمه وباسم نصرالله، ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، يحذره فيها من عواقب المس بموقع شقير في المديرية العامة لأمن المطار.

هددت قوى 8 آذار بالرد على القرارات التي اتخذتها الحكومة باللجوء إلى "خطوات مقابلة تضع البلاد أمام وضع عصيب". وهذا ما اعتبر مقدمة لفوضى قادمة تعم البلاد.

منع السقوط في الهاوية

القراران الجريئان اعتبرا في تلك اللحظة المحاولة الأخيرة من الحكومة اللبنانية لمنع التمادي وأخذ البلد إلى الهاوية، ففي مطار بيروت كانت إحدى كاميرات التصوير موضوعة على أحد المدرجات التي تحط فيها الطائرات الخاصة، وهو ما يعني أن مرور السياسيين التابعين لقوى 14 آذار أصبح تحت المراقبة الفعلية من لحظة نزول الطائرة، مما أعاد التذكير بوصول النائب جبران تويني إلى بيروت واغتياله بعد يوم من ذلك، وكذلك وصول النائب انطوان غانم عن طريق المطار واغتياله أيضاً. كذلك الأمر، صارت الخطوط الهاتفية لـ"حزب الله"، منتشرة على كل الأراضي اللبنانية، بحيث إنها توسّعت في مناطق لا حاجة للحزب فيها من أدونيس في جونيه إلى جبيل والكثير من المناطق. فتدخلت الحكومة محاولة التدخل لإيقاف التفلت الحاصل.

صارت قضية الخطوط الهاتفية والكاميرا الموضوعة على مدرّج مطار بيروت، سبباً لهجوم السلاح وأصحابه على الشعب اللبناني، فالوعود بعدم استعمال السلاح في الداخل صارت كذبة، وصارت القذائف المدفعية تتنقل في قرى الجبل، كما القذائف الصاروخية التي تنقلت في شوارع بيروت.

جحيم بيروت يتمدد

دخل جحيم الحرب إلى بيروت أولاً ومن ثم انتقل إلى عدد من المناطق، فلا أحد يحمي المواطنين اللبنانيين من غدر أيتام سورية وخصوصاً في رأس بيروت ورأس النبع حيث تحولت تلك المناطق إلى مرتع للحاقدين على الناس لأنهم ينتمون لمواطنيتهم.

التدخلات والوساطات العربية أتت باتفاق الدوحة، الاتفاق الذي أدخل إلى قصر بعبدا رئيساً جديداً هو الرئيس الذي طرحته قوى 14 آذار كحل توافقي العماد ميشال سليمان، وكذلك سمحت بقيام حكومة "وحدة وطنية"، عطّل فيها المعطّلون أكثر مما سمحوا للحكومة بالعمل. صار اتفاق الدوحة الموضوع فقط للمرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية مطلباً دائماً لقوى 8 آذار، فهم يريدون إلغاء الدستور المعمول به منذ اتفاق الطائف، ووضع ما حصل في الدوحة من اتفاق آني لمنع تمدد الحرب والقتل والسلاح مطلباً إجبارياً على اللبنانيين.

مناصفة أم مثالثة

حاولت الأقلية طوال الفترة التأكيد على تغيير الدستور، فـ"حزب الله" وحليفه "التيار الوطني الحر" يريدان المثالثة، أي تقسيم المجلس النيابي والحكومة إلى ثلاثة أجزاء بدلاً من اثنين، وذلك لتقوية دور الحزب وحلفائه، وهذا ما رفضته الأكثرية.

مرّ السابع من أيار بمأساة كبيرة حفرت في ذاكرة اللبنانيين عميقاً. عاد حاملو السلاح من زواريب الحرب الأهلية وأزقتها، ازداد الخطف واختفى الكثير من المواطنين، بعضهم ظهر وآخرون قتلوا فيما البعض لم يعرف عنه شيء.