سنوات طويلة انتظرنا حتى فتحت وزارة الثقافة والإعلام المجال للقطاع الخاص لتشغيل إذاعاته التجارية ضمن الموجة الطويلة (FM)، لكن طموحنا بوجود صناعة إذاعية رائدة في المملكة ذهب أدراج الرياح، فرغم وجود بعض اللمحات والإبداع في النزر القليل من البرامج، إلا أن الغالب الأعم كان من نصيب الوصلات الموسيقية، والأغاني العاطفية، وموجة مستمرة من برامج "طق الحنك" الصباحية، والمسابقات السطحية، والإعلانات التجارية المتواصلة، وكأنما الهدف فقط هو محاولة استعادة رسوم الرخصة الإذاعية، والتي لم تقل عن ستين مليون ريال لكل إذاعة!
وزاد الطين بلّة أن ثقافة بعض المذيعين والمذيعات لا تساعدهم على إدارة دفة الحوار بشكل يضيف لثقافة المستمع، أو حتى إثارة مواضيع تفتح الآفاق لمزيد من النقاش والحوار.
وحيث إن الوزارة قد اشترطت عدم وجود إذاعات متخصصة فإنها تستطيع فرض نسبة معينة لبث برامج إثرائية لا تقل عن 5% من ساعات البث، دون الغوص في شكلها وطريقتها ليكون الإبداع والابتكار هو الفيصل في جذب الجمهور، مع استلهام تجارب إذاعات رائدة جمعت ما بين المتعة والفائدة في آن واحد، مثل إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، أو بعض نسخ إذاعة "سوا" الأميركية، لتقديم برامج برامج ثقافية بأسلوب شبابي متطور، أو بث روائع الأدب، على شكل مسرحيات إذاعية، كما كانت تقوم به إذاعة "لندن"، خصوصا وأن الاستطلاعات تؤكد أن الشباب في مقدمة فئات مستمعي الإذاعات الخاصة مقارنة بالإذاعات الرسمية.
غير أننا في هذا المقام لا نقلل من تميز تجربة الإذاعات السعودية الخاصة باعتمادها على الكوادر السعودية الشابة سواء في التقديم أو الإعداد، وحتى في الشؤون التقنية، مما يجعلنا أكثر تفاؤلا بمستقبل تلك الإذاعات.
الإذاعة مرآة لاهتمامات المجتمع؛ فهل كل اهتمامات مجتمعنا السعودي "موسيقى" و"سوالف" فقط؟ لا أعتقد ذلك.