لم يُدهشني الخطاب المضحك الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لقد كان الخطاب ركيكا إلى أبعد الحدود على مستوى تقديم الأبعاد السياسية الإيرانية أو العربية الإسلامية. وذهب في المبالغات حدا لايمكنك وصفه إلا بالمضحك.

نتنياهو يعتبر خصما مناسبا لإيران وسياساتها التوسعية الغاشمة في المنطقة. لكنه أيضا يقع في نفس المعسكر بالنسبة للكتلة العربية بأكملها. ومن غير المنطقي أن نقبل نحن كعرب أسلوب التدليس الخطابي الذي يمارسه المعسكران: الإسرائيلي والإيراني، في عصر المكاشفات وارتفاع مناسيب الوعي السياسي.

نتنياهو وهو يعرض رسم القنبلة الإيرانية، كان مُضحكا وبائسا وهو يخاطب قيادات العالم بهكذا عرض سخيف. وكان عليه احترام المحفل العالمي أكثر من ذلك بكثير، لا أن يقدم لوحاته التي تشبه لوحات معلم المراحل الابتدائية!.

إسرائيل لها تاريخها السياسي النتن، والعسكري الأكثر نتانة. وما زال الدم العربي الفلسطيني يُهرق كل يوم على يد آلة القمع الإسرائيلة. وليس مقبولا من إسرائيل وتاريخها السياسي الملفق باقتدار والمتحايل على العالم، إلقاء محاضرات على العالم في الأخلاق وفنون المعاملة الحسنة، في الوقت الذي يعرف ما نسبته (80%) من العالم القسوة والشراسة التي يتعامل بها الجيش الإسرائيلي مع إخوتنا الفلسطينين.

هذه الإسقاطات المتناقضة التي يحاول نتنياهو تركيبها مع بعضها، لتشكل نسقا بنائيا مقبولاً عند الجمهور العالمي، هو مسرحية هزلية وهزيلة في نفس الوقت. إن ذلك يذكرني بخطاب المذيع البائس في قناة العالم الإيرانية -الناطقة بالعربية- الذي قال في برنامجه الحواري: "في السعودية شعب يقتل في الشارع". -يا الله انظروا إلى حجم الكذبة- وبساطة إطلاقها. وهذا هو الاستخفاف بالعقول الإنسانية بعينه. إذ إن إسرائيل ليست الاختيار الصحيح، إذا ما أرادت سياسة ما إقناع العالم وخاصة العرب بخطر إيران وقنبلتها النووية. جميعنا يعلم أن إيران هي مصدر خطر حقيقي على المنطقة بأسرها. وما شاهدناه من ردة فعل مجنونة للقيادات الإيرانية بعد إعلان السعودية لمشروع الاتحاد الخليجي، يكفي لندرك حقدها الدفين على دول الخليج العربية تحديداً. وهي ليست الحليف المثالي عند العرب ـ الخليج خاصة، وبعض الدول العربية ـ لمواجهة إسرائيل. فإيران بسياساتها العدوانية المرتبكة في أحايين كثيرة. لن تكون إلا الجار الغادر، والتاريخ الحربي الفارسي لا ينكر تعسفه المتواصل مع العرب.

المضحك أكثر هو تناقض الخطاب الإيراني كذلك على نفس المنبر العالمي. ومحاولة إظهاره بمظهر سياسة القطط أوالحملان الأليفة الرحيمة!. وقد كان في السابق وإلى وقت قريب جداً عبارة عن لغة تهكمية هجومية كسياسة الأسود.

لقد أرادت إيران أن تقدم نفسها من خلال خطابها الاحتيالي – الذي قاطعت حضوره أميركا وإسرائيل- نموذج الحمل الوديع. وتستحوذ على مشاعر العالم؛ ليذرف الدموع المتعاطفة مع سياستها المتهورة. كل ذلك الذي طُرح على الطاولة العربية لا يمكن له إقناعهم بسياسة أي من المعسكرين "الإيراني أوالإسرائيلي". ولا يمكن لخطابي أميركا والأمم المتحدة ـ الذي تبنى الأول صراحة دعم الخطاب والموقف الإسرائيلي وانتقاد السياسة الإيرانية -كالعادة-، فيما تبنى الثاني سياسة التهدئة والتربيت على الأكتاف ـ أن يوضعا فوق الطاولة كخيارين لا ثالث لهما أمام المجموعة العربية "قنبلة إيران أم جحيم إسرائيل؟"، لأن ذلك في الحقيقة ابتزاز حقير وأقرب إلى التسول منه إلى السياسة العظيمة الذكية. وبرأيي فإن الضعف العربي في المنظمة العالمية، هو من وضعهم في هذا الموضع المهين، وتركهم مجرد مستمعين لا مشاركين مؤثرين، حتى وهم أهم أطراف القضايا السياسية في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.

مؤسف حقاً، ألا يجد الخطاب العربي قوته أوصداه على المستوى العالمي، فما قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابة الشاكي المستعطف المتباكي، والذي وصفه ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي بأنه "بصقة في وجه إسرائيل"، يعكس مدى ضعف تأثير المواقف العربية برمتها. لقد قال ليبرمان نفسه بعد خطاب عباس: "إنه في حال واصل رئيس السلطة الفلسطينية مساعيه لنيل اعتراف من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدولة فلسطينية، فإننا سنجعله يدفع الثمن، ولن يمر هذا الأمر دون رد منا". وما أحقر أن يحدث مثل هذا في ظل محاولات إسرائيل الحثيثة نيل تعاطف العرب، وحشد التأييد المعادي للسياسات الإيرانية التي تهدد أمنها كما تعلن إسرائيل على الدوام. وكم أتمنى أن يستثمر العرب هذا الصراع السياسي لصالح شعوبنا العربية، وليخرجوا على الأقل بما يمكن له أن يحفظ ولو شيئاً يسيراً من ماء الوجه، الذي طالما أُهدر بالغصب والرضى أيضا.