حقوق الطفولة لا تحظى باهتمام كاف في الوطن العربي، بالرغم من أهمية هذه المرحلة على كل المستويات. ففي دراسة علمية ثبت وجود علاقة بين الاهتمام بالطفولة والتطور الاقتصادي وبين الطفولة وسوق العمل. وفي دراسة أخرى ثبت وجود علاقة بين العنف في المنزل بين الوالدين في حضور الطفل الرضيع وبين السلوك الإجرامي لهذا الطفل عندما يكبر. الاهتمام بالطفولة صيحة تحذير للبشرية جمعاء تقول لها: انتبهي وأمسكي بزمام أمورك الآن، وإلا فإن كل شيء سيتسرب من بين أصابعك كما يفعل الماء من البنان. سنوات الطفل المبكرة هامة جداً، لأنها توفر الأساس لباقي سنوات العمر، في المراهقة والرشد. فهؤلاء الأطفال الذين حظيوا بتنشئة طيبة يستطيعون العيش على نحو حسن، ويصنعون مجتمعات أفضل لهم. نعم، فالأطفال مستقبلنا، وإذ نستثمر فيهم منذ نعومة أظفارهم، فإننا – بهذا- نستثمر في التطور الإنساني والاقتصادي لكل فرد. إن الفوائد الاقتصادية، الناجمة عن الاستثمار في الطفولة المبكرة، عالية. بل إن هناك سبباً أكثر إقناعاً لإبراز أهمية السنوات المبكرة.. فالتدخلات المبكرة تساعد الأطفال على الإفلات من براثن الفقر. فمن بين سكان العالم الذين يبلغ تعدادهم 6 بلايين نسمة، يعيش 2.8 بليون منهم على أقل من دولارين يومياً، و1.2 بليون يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً (البنك الدولي) وثمة اختلال هائل – في كل بلد – في التوازن بين الأغنياء والفقراء.
حتى نحظى برعاية كاملة للأطفال في كل دول العالم لا بد من الاهتمام بخمسة جوانب أساسية تتداخل مع بعضها لتشكل دعماً قوياً يحقق رعاية ناجحة للطفولة المبكرة، وهذه الجوانب هي التربية والتعليم والصحة ورأس المال الاجتماعي والمساواة. وتكشف هذه الجوانب التباين في تطور الرعاية المبكرة للأطفال، وتشكل التباينات الاقتصادية تبايناً واضحا في مستوى ما يقدم من رعاية للطفولة المبكرة، حيث يلعب الفقر دوراً سلبياً كبيراً يرتبط مع مؤشرات اجتماعية سيئة، خصوصاً بالنسبة للأطفال الفقراء، إذ بدون الغذاء الأساسي، والرعاية الصحية، والاستثارة اللازمة لتحقيق نمو صحي، فإن كثيراً من الأطفال يدخلون المدرسة وهم ليسوا مستعدين للتعلم. ويكون أداء هؤلاء الأطفال في صفوفهم سيئاً، ويرسبون فيها، ويتسربون من المدرسة بمعدلات عالية. بل إن ظروفهم عندما يدخلون العمل تكون سيئة، فلا يكسبون إلا أقل الأجور، وينقلون فقرهم إلى أطفالهم. وليس منح الأطفال أمرا حيويا لمواجهة أسوأ آثار الفقر، وحسب، بل إنه يمكن أن يكون، أيضا، طريقة فعالة لكسر حلقة الفقر المفرغة العنيدة التي تنتقل عبر الأجيال.
تُسْتهدف جوانب الفقر الأساسية عندما تصوغ الجماعات المهتمة بالتطور أهدافها بالنسبة للتطور العالمي، والأهداف هي: تقليل أعداد الناس الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار النصف بحلول عام 2015، وتضاؤل بمقدار الثلثين في معدل وفيات الأطفال دون الخمس السنوات، والحد بمقدار ثلاثة أرباع من وفيات الأمهات؛ وتوفير تعليم ابتدائي شامل للجميع بحلول عام 2015، والتساوي بين الجنسين في التعليم بحلول العام، ووضع استراتيجيات مطمئنة للنمو المستمر في العام ذاته، وضمان عكس اتجاه الخسارة الراهنة في الموارد البيئية عالمياً وقومياً في العام 2015. والأهداف في الفقر، والصحة والتربية تدعم بعضها بعضاً. فالتحاق أعلى بالمدارس، خصوصاً بالنسبة للإناث، يخفف من الفقر، ويتراجع معدل الوفيات، وهو أمر يمكن الوصول إليه من خلال الرعاية الصحية الأساسية، يزيد من الالتحاق بالمدارس ويحسن الأداء فيها، وهو أمر يخفف من الفقر. وكَمُسَوٍّ كبير، فإن التعليم يقلص من الاختلافات بين الفقراء والأغنياء، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا تمتع الأطفال بفرص متساوية للاستفادة من التعليم. يتطلب تحقيق أهداف التربية الابتدائية الشاملة، أن يُمنح صغار الأطفال فرصة عادلة للاستفادة من المدرسة. وفي المجتمعات التي لا تتوافر فيها المساواة والتي تشيع فيها مستويات عالية من الفقر، فإن مجرد اللعب – حتى في عمر السادسة، أو عندما يدخل الأطفال المدرسة – سيغدو غير عادل بالنسبة للأطفال الصغار. أما إذا حدث تدخل مبكر، فإن برامج تطور الطفولة المبكرة تقدم لكل الأطفال إمكانية الاستفادة تماماً من المدرسة، والنجاح في سوق العمل.
150 مليونا من الأطفال ممن في سن المدرسة الابتدائية، ليسوا في المدارس، ومعظم هؤلاء من الإناث. ثمة 150 مليونا آخرون يبدؤون دراستهم الابتدائية، ولكنهم يتسربون قبل أن يتموا أربع سنوات من التعليم. يجب أن نعلم أنه قد صُنع الحاضر من الماضي، وها هو المستقبل يصنع في الحاضر. لقد أحس الناس العاديون والعلماء المتخصصون منذ زمن بعيد بأهمية مرحلة الطفولة، فمن "شبَّ على شيء شاب عليه" و"العلم في الصغر كالنقش في الحجر" وانشغل علماء النفس منذ مطلع القرن الماضي بتأكيد أهمية السنوات المبكرة من حياة المرء في تحديد شخصيته وآفاق نموها، أما العدالة والمساواة، فقد احتلتا مكانة مرموقة في اهتمامات كل المتخصصين والمهتمين بصيانة حياة الأطفال.. إلا أن مهمتنا الدينية والروحية والأخلاقية هي السعي لتوفير فرص متساوية للأطفال حتى لا يقعوا فريسة الفقر وتواليه من جهل ومرض وتشرد وجريمة. إلا أن ما هو مهم ومثير للإعجاب حقاً، تلك البرامج العملية المتنوعة في كثير من أصقاع العالم والتي صممت ونفذت للتدخل وتغيير بيئة الطفل – بوسائل شتى – لتحقيق فرص أفضل له في النمو، وهي برامج تشكل دروساً لنا جميعاً: نتمعن فيها، ونستفيد من نجاحاتها ونتجنب مزالقها في أي برامج نصممها لأطفالنا. بل إن البعد السياسي له أهمية كبرى وفاعلة في إبراز دور القطاع الحكومي والقطاع الخاص في إنشاء هذه البرامج وتمويلها ودعمها ومراقبتها.
لعل الفوائد "الاجتماعية" لبرامج أقل تحديداً من الفوائد الصحية والتعليمية. فهي تحدث التغيير في سلوك الأطفال، إنك تراهم أقل عدوانية وأكثر تعاوناً، ويتصرفون على نحو أفضل ضمن المجموعات، ويقبلون التعليمات (من الوالدين على سبيل المثال) على نحو حسن.
يشير المسلك الرابع "المساواة" إلى الفرصة المتساوية، وهو مسلك يرتبط بالمسالك الثلاثة السابقة على نحو لا ينفصم.