الفنانة اللبنانية نجوى كرم خلال مشاركتها في برنامج "آخر من يعلم" على قناة MBC قالت ردا على سؤال "لماذا لا تغنين باللهجة المصرية": إنها ستغني باللهجة المصرية إذا قام عمرو دياب أو أنغام بالغناء باللهجة اللبنانية، وبالمثل قالت إنها ستغني باللهجة الخليجية إذا غنى محمد عبده باللهجة اللبنانية.

التصريح غير الموفق لـ"شمس الأغنية اللبنانية" أزعجني، ليس لحرمان الجمهور المصري من الشرف العظيم، وهو غناء نجوى كرم بلهجته، أو حرمان الجمهور الخليجي من ذات الشرف، ولكني شعرت برائحة "شياط" ـ كما يقول العامة ـ في هذا التصريح الملغم، وشعرت أن "حرب اللهجات" التي فاقت حرب البسوس التي وضعت أوزارها منذ سنوات تطل من جديد.

شهدت الساحة الفنية على مدى الخمسين عاما الماضية حربا غير معلنة، يمكن الاصطلاح عليها بـ "حرب اللهجات"، وكانت هذه الحرب تهدأ أحيانا، وتظهر أحيانا أخرى على السطح، فمع اعترافنا بانتشار اللهجة المصرية الذي تحقق نتيجة لعوامل قوية أهمها السينما المصرية التي كان لها الريادة منذ ظهور أول فيلم مصري عام 1917، إلا أن نمو الإعلام العربي في عدة أقطار عربية ساعد على انتشار لهجات أخرى عربيا كاللهجة الخليجية واللبنانية.

ولأن اللهجة تعبير عن الثقافة، ولأن اعتزاز العربي بلهجته يماثل اعتزازه بتراثه، ظهر نوع من التعصب الفني، في أن كُلا يتعصب للهجته، وصار السؤال التقليدي الذي يحفظه معدو البرامج التلفزيونية: لماذا لا تغني باللهجة الخليجية؟، ولماذا لا تغني باللهجة المصرية؟، ولماذا لا تغني باللهجة اللبنانية؟

وظل هذا التعصب تعبيرا عن الانتماء، ولكن أحيانا كان يخرج عن الطور الطبيعي إلى مواقف وأحزاب فنية هنا وهناك، وملاسنات بين هذا وذاك، وتكون وراء كل لهجة مجموعة من الداعمين لها، وتخندق كل فريق وراء لهجته، وبدا أن هناك نوعا من الحرب الباردة بين لهجات رئيسية ثلاث في العالم العربي.

قد أتفهم دوافع حرب اللهجات منذ 20 عاما، حيث غلبت اللهجة الواحدة، كما أتفهم استغراب البعض للهجات معينة، وعدم فهمهم لها، ولكن بعد انتشار الفضائيات أصبحت معظم اللهجات العربية معروفة ومستساغة ومحبوبة، وأصبح المصري يستمع إلى الخليجي، والخليجي يستمع إلى اللبناني، واللبناني يستمع إلى المغاربي، وكان الفائز هو المستمع العربي الذي أصبح يستمتع بالعديد من الأعمال واللهجات والمشاعر والتجارب الإنسانية النابضة التي أثرت جميعها الأغنية العربية.

أتمنى أن يكون تصريح نجوى كرم مجرد زلة لسان، أو تصريحا مندفعا نابعا من حب زائد للوطن، أو مجرد جواب سطحي لسؤال هدفه تسخين الحلقة من أجل الترويج لألبوم جديد، ولكن كل ما أتمناه ألا يكون ذلك شرارة جديدة لحرب اللهجات.