"الليلة نحن موعودون بنهائي مثالي وليلة استثنائية لونها أندلسي خالص لو استمر أداء الإسبان في التصاعد، وهو متوقع أن يبلغ ذروته هذا المساء، ففي نزالها ضد ألمانيا لم تكن إسبانيا تبحث عن النصر فقط وهي خالدة على عشبها بل كانت تبحث عن شيء آخر تماماً مثل وردة لوركا شاعر إسبانيا العظيم."
السطور السابقة كانت آخر فقرة من مقال الأسبوع الماضي (يوم المباراة) لكنها اختفت أو تم شطبها لضيق المساحة، ولو كنت أعلم حجم المساحة المتاحة لكنتُ أبقيت عليها واستبعدتُ سطوراً أخرى. المهم أن إسبانيا فازت بلقب المونديال، وكان رهاني عليها في مكانه، وهي تستحق ذلك، فقد ولدت أثناء البطولة ولم تولد قبلها، وإلا لكانت قد أجهضت أو كان حملها كاذباً، كما حصل للبرازيل والأرجنتين وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وفرنسا!.. الأندلسيون أجدر بزعامة العالم كروياً، لأنهم كانوا الأجمل والأمتع والأكثر جهداً وعطاء، والأهم من كل هذا أنهم لعبوا بروح الفريق، حيث المجموعة هي النجم وهي التي تصنع الانتصار وليس الفرد الواحد، وكان العمود الفقري للفريق الأندلسي واضحاً للعيان.. مدى القوة والمتانة والفتوة والتناغم والانسجام بين فقراته الممتدة من الخلف إلى الأمام ومن الأمام إلى الخلف أيضاً.. (العملاق كاسياس والمخضرم بويل والصلب راموس والحكيم تشابي والرشيق فابريجاس والساحر أنيستا والفنان فيا).. ومع الأداء الإسباني المبهر تمنيت لو أن الشاعر الكبير الراحل محمود درويش ما يزال حياً كي يكتب قصيدة جديدة يهديها إلى الراحل لوركا في انتصار بلده العظيم والتاريخي وتربعه على عرش الكرة العالمية بعد سنتين فقط من جلوسه على العرش الكروي الأوروبي. فقد كان درويش مغرماً بلوركا وقصائده الشفافة بالحزن الرقيق والباحثة عن البعيد البعيد!
والفن الأندلسي الخالص في المونديال الأسمر لم يكن صدفة، بل هو امتداد لعلو كعب كرة القدم الإسبانية في السنوات الأخيرة وتأكيد لجدارتها بلقب أمم أوروبا في سويسرا والنمسا 2008 ، وسيستمر العصر الإسباني سنوات أخرى لفتوة المجموعة الحالية، خاصة بعد أن تشربت الخبرة المطلوبة في أقوى بطولتين على مستوى العالم لتمتزج بروح الشباب وحيويته في عناصر الفرقة الحالية، وهو ما سيجعل المنتخب الإسباني صاحب الكلمة الأقوى في المنافسات المقبلة خلال السنوات الأربع القادمة!
أما الرياضيون من محللين ومتابعين وكتاب متخصصين، والذين يرون أن مونديال جنوب أفريقيا لم يكن بذلك الزخم الفني وكان أقل فنا ومستوى من البطولات السابقة ويستشهدون بخروج المنتخبات القوية، فمع احترامي الشديد لهم ولتخصصاتهم ولخبراتهم ولمهنيتهم، لم يقولوا الحقيقة أو أنهم يريدون أن (ينمطوا) المونديال ويجعلوا منه بطولة تقليدية محسومة ومحجوزة سلفاً للفرق الكبيرة.. أصحاب التاريخ الكبير!.. إنها رؤية نمطية خالفها المونديال الأخير فكان جديداً ومثيراً ومدهشاً في كل شيء ولا عزاء للنمطيين!