يأتي الصيف وتأتي معه العروض والمهرجانات السياحية الداخلية والخارجية، ويبدأ كثير من المدن السعودية في تفعيل نشاطاتها الصيفية رغم ارتفاع حرارة الجو في أكثر من منطقة، إلا أن السياحة الداخلية يبدو أنها سوف تكون أحد الأوجه الاقتصادية في السعودية خلال فترة قصيرة. بل يمكن القول إن السياحة كانت من أهم الروافد الاقتصادية لبعض الدول المجاورة واعتمدت عليها بشكل كبير في إنعاش اقتصادها فترة طويلة من الزمن، ومن هنا كان تفعيل السياحة الداخلية وفتح نطاقها في أكثر من مدينة، وتم البحث عن مقومات سياحية ولو بسيطة في تحريك الجانب السياحي في السعودية، ولقد نجحت بعض المناطق في ذلك لما تمتلك من دعاية قوية رغم ضعف المعطيات السياحية الطبيعية، وهذا أحد أهم الجوانب الاقتصادية التي تلعبها السياحة، كما تلعب وسائل الإعلام دورا مهما في هذا الجانب أيضا، ونحن نشاهد مدى اتساع دائرة السياحة من مدينة إلى مدينة أخرى حسب قوة العروض السياحية وحسب قوة الدعاية التي تصاحبها. هذا على المستوى المحلي فما بالك على مستوى السياحة الخارجية التي نجحت في جر المواطن السعودي إلى الخروج خارج الحدود السعودية لما تتمتع به من عروض سياحية تلبي الكثير من متطلبات السائح السعودي.
في بعض المدن السعودية والتي تتميز بنوع من الانفتاح الاجتماعي عن بقية المدن الأخرى نجد العروض تتسع أكثر وأكثر، وتبقى جدة رائدة في هذا المجال كونها تحاول النهوض وتخرج عن السياق الذي كانت عليه بقية مدن السعودية لا من الناحية السياحية بل وحتى من النواحي الأخرى: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولذلك دائما ما تصبح (جدة غير)، وما تطرحه هذه الـ(غير) يشي بنوع من التمايز والتحرك المختلف عن السياق العام، وحراك جدة يحتاج إلى قراءة ثقافية خاصة ليس هنا مكانها.
ولعل أهم ما يتم تقديمه من عروض سياحية خاصة في تلك المناطق التي لا تتميز بالأجواء الخلابة هو العمل على المجال الفني، وهو مجال خصب اقتصاديا خاصة مع قوة الدعاية الإعلامية التي تصاحب مثل هذه المهرجانات، حتى إن الكثير من المسرحيات والحفلات الغنائية والعروض السينمائية والفنون بشكل عام تكثر في فترة الصيف، بل إن بعض الدول المجاورة يتم فيها عمل عروض فنون خاصة لفترة الصيف كالمسرحيات والأفلام السينمائية. في مصر مثلا ينتعش المسرح بعمومه والمسرح الكوميدي بالذات في فصل الصيف. كما يتم نزول الكثير من الأفلام السينمائية في هذه الفترة للإقبال السياحي عليها حتى أصبحت السينما المصرية تدر دخلا اقتصاديا كبيرا على منتجيها رغم اقتصار الكثير من العروض على فترة الصيف فقط، كما أن صالات العروض المسرحية تكتظ بالمتفرجين، كما أن العروض الغنائية هي الأخرى زاخرة بالحضور، بل أعرف من الشباب من هو على استعداد تام لحضور عرض غنائي لفنان مفضل لديه حتى في مناطق بعيدة سواء داخل السعودية أو خارجها.
في بعض مدن السعودية عاد المسرح من جديد كما هو الحال في أبها مثلا أو المسرحية النسائية في نجران وغيرها، كما أن العروض الشعبية هي الأخرى تحظى بنصيب لا بأس به من المشاهدة والحضور، وبعض المدن تعطي فرصة للجاليات بعرض فنونها الشعبية، في حين غابت الفنون بأشكالها: الغنائية والمسرحية والسينمائية والشعبية عن مدن سعودية أخرى رغم وجهتها السياحية التي استطاعت أن تلفت الأنظار خلال الأعوام القليلة الماضية ورغم وجود مثل هذه الفنون في مهرجاناتها سابقا.
هذه السنة لانكاد نجد أي مظهر من مظاهر الفنون في مهرجانات المدن التي نسمع عنها إلا المسرح في أبها تعويضا عما حصل من إلغاء العروض الموسيقية العام الماضي. والحال أن العروض المهرجانية المقدمة لا تعدو نوعا من الألعاب الخفيفة والتي لا يمكن أن تسمى مسرحيات مطلقا.
العام الفائت كانت هناك اعتراضات من قبل بعض ممثلي الخطاب التقليدي على عروض سينمائية ومسرحية وغنائية حتى استطاعوا إلغاءها، كما اعترضوا على الكثير من الفعاليات الثقافية المقدمة، وهي سمة غالبة على خطاب التقليد إذ نرى في كل مناسبة لا تتوافق مع التوجه العام لدى الخطاب الديني أنه يجابهها بالاعتراضات والمناصحات العديدة فضلا عن الاحتشاد في أماكن العروض لمحاولة ثني الناس عن دخولها بالمناصحة والمواعظ السريعة.
من جهة أخرى يقدم الخطاب التقليدي ذاته باعتباره بديلا عن تلك التي اعترض عليها حتى استطاع إيقافها، ومن هنا أصبح المسرح يقدم بطابعه الإسلاموي كما يقدم الفيلم السينمائي بطابعه الإسلاموي، كما كان الحال ببعض البدائل الإسلاموية منذ فترة ظهور الصحوة في الحراك المحلي. بل إن النكتة تقدم الآن لتخدم الخطاب الدعوي أو الخطاب الإسلاموي، وتقدم الألعاب الشعبية والمسابقات الرياضية الخفيفة عن طريق وجهة واحدة لا غير هي وجهة الخطاب التقليدي، ومن يحاول الدخول في هذه المنطقة فإن محاولة الاعتراض عليه تكون شديدة حتى إذا لم يتم المنع تأتي محاولات استيعابها بحيث تمرر من خلال الخطاب التقليدي لضمان بقاء الخطاب على قوته الاجتماعية. مثلا لا أكاد أفهم كيف أصبحت مؤسسات الدعوة والإرشاد هي التي تقدم العروض المسرحية والأنشطة الترفيهية في بعض تلك المهرجانات؟!
لست ضد أن تقدم الدعوة ولا غيرها أي مظهر من مظاهر الترفيه، فهذا حق مشروع للجميع ومن لديه شيء جديد فالباب مفتوح، لكن أن تتم مصادرة جميع الأنشطة وتتم معارضتها بدعاوى الحفاظ على المجتمع ثم لا يبقى لدينا إلا مظهر واحد من مظاهر العروض السياحية هو القائم وغيره في حكم الممنوع ومن خطاب واحد فقط، فذلك نوع من محاولة الهيمنة الاجتماعية من خلال العروض السياحية. العروض السياحية التي عاينتها مباشرة تكاد تصب في خانة الخطاب الدعوي الخالص وليس فتح المجال للجميع في تقديم عروضهم.
المجتمع فيه الكثير من الطاقات الشبابية الفاعلة والتي يمكن لها أن تقدم ذاتها بشكل جيد وجاذب سياحيا، فلماذا نقصر العروض على خطاب دون آخر. فليكن الباب مفتوحا للجميع ومن تكون عروضه مقنعة أكثر فسوف يحضرها العديد من الناس دون أن نجبر الآخرين على عروض وحيدة وقد تكون مملة أيضا.