دعونا نبدأ مباشرة، فعيد الأضحي الحالي هو العيد العاشر، الذي يمر على جمعية "حماية المستهلك" السعودية، منذ صدور قرار مجلس الوزراء رقم 202 وتاريخ 17/ 6/ 1428، بالموافقة على إنشاء جمعية حماية المستهلك. وللأسف نقولها بكل صدق: إن الجمعية ما تزال دون مستوى تطلعات مجتمعنا، أو على الأقل تطلعات أعضائها المؤسسين، الذين كافحوا طويلاً، ولمدة عشر سنوات وتزيد، حتى خرجت الجمعية من أدراج وزارة الشؤون الاجتماعية إلى هيئة الخبراء بمجلس الوزراء الموقر إلى الواقع في نهاية الأمر!.

صحيح واجهت الجمعية في دورتها الأولى صراعاً إداريا مريراً، ما بين أعضاء مجلس إدارتها من جهة، ورئيس المجلس من جهة أخرى، امتدت تفاصيله الدقيقة إلى صفحات الصحف اليومية، وتناولتها منتديات شبكة الإنترنت بشكل أثر سلبياً على سمعة الجمعية. هذا الصراع انتهى بعزل رئيس مجلس الإدارة، ثم انتخابات جديدة، تمخض عنها مجلس إدارة جديد، لكن للأسف دونما نتيجة تذكر، وكأنما تتمثل الجمعية المثل العربي الشهير: "نسمع جعجعة ولا نرى طحنا"، حيث يحفل التاريخ الإعلامي للجمعية بعدد مهول من التصريحات والوعود والمشاريع والمبادرات، التي تميزت بعناوينها الجذابة، وظهورها الإعلامي المكثف، لكن في النهاية "لا شيء" على أرض الواقع الحقيقي.

فمثلاً أعلنت الجمعية قبل أشهر قليلة، وعلى لسان رئيس مجلس الإدارة مشروعاً طموحاً للتصديق الرقمي لمكافحة الغش التجاري، وأن هذا المشروع سوف يوفر 1500 وظيفة!. طبعاً غني عن القول أن المشروع لم ير النور حتى الآن، وطبعاً من السهل على الجمعية إلقاء اللوم على غيرها من الجهات، وخاصة الجهات الحكومية. لكن السؤال المهم هنا: هل كان يجب الإعلان عن المشروع وتفاصيله قبل الحصول على موافقات الجهات ذات العلاقة؟ أوعلى الأقل التنسيق معها، أم أن الهدف مجرد حضور إعلامي وفقط!.

من جهة أخرى، أصدرت الجمعية عدداً متضخماً من البيانات الصحفية حول عدد من القضايا التي أثارتها الصحافة المحلية، دون أي نتيجة تذكر على مسار تلك القضايا، مثل بيانات: الإسمنت، العسل، خفض حجم العبوات، وغيرها، والتي كانت مجرد توعية معلوماتية للمستهلك فقط، دون أي أثر حقيقي على الممارسة التجارية، أو حتى تحويل تلكم الممارسات غير الأخلاقية في نظر الجمعية أو المستهلكين إلى قضايا قانونية. تقوم الجمعية فيها بالترافع عن حقوق المستهلكين نيابة عنهم أمام المحاكم المختصة، فضلاً عن أن تلك البيانات كانت محدودة الوصول إلى المستهلكين، نظراً لوجودها فقط على الموقع الإلكتروني للجمعية، ونشرها في عدد قليل من وسائل الإعلام الجماهيرية. ومن نافلة القول: إن جزءاً أساسياً من مفهوم حماية المستهلك يعتمد على مدى قدرة الأجهزة التطوعية ومنها جمعيات حماية المستهلك، على الوصول السهل والمباشر إلى جماهير المستهلكين المختلفة، وبالطبع فإن تنوع فئات المستهلكين يفرض ضرورة العمل على استخدام وسائل اتصال مختلفة في كل عملية اتصال بمستهلكين مختلفين، ومنها مؤخراً قنوات التواصل الاجتماعي، مثل "الفيسبوك" و"توتير"، ولقد أحسنت الجمعية حينما حملت رسائلها التوعوية المرئية على موقع "يوتوب". لكن تلك الخطوة يجب أن يتبعها عرض تلكم الرسائل بشكل تكراري في القنوات التلفزيونية ذات المشاهدة العالية، أو على الأقل ضمن قنوات التلفزيون السعودي.

الجمعية بحاجة إلى مزيد من التركيز وتحديد الأهداف الأكثر أهمية، بالعمل أولاً على القضايا الأساسية، دون المشاركة في كل شيء، فحتماً سوف تكون النتيجة: "لا شيء"، فمن أبجديات علوم الإدارة أن تحديد الأهداف بشكل دقيق وتأطيرها زمنياً، يساهم بشكل محوري في تحقيقها، أو على الأقل الوصول قريباً منها، كما أن الجميعة تحتاج العمل بشكل أكبر على تطوير نظامها الإلكتروني في تلقي الشكاوى والبلاغات، والعمل على حلها مع الجهات المختصة، فضلاً عن ضرورة إفصاحها عن محتوى تلك الشكاوى أو البلاغات، وآلية مراحل حلها، وليس فقط إصدار احصاءات رقمية، دون الإفصاح عن تفاصيل طبيعة البلاغ وكيفية إغلاقه، كما أن الجمعية وهي جمعية وطنية، يفترض أن يكون نشاطها على المستوى الوطني، فهي بحاجة إلى ضرورة زيارة عدد فروعها، كي تصل إلى مناطق المملكة الثلاث عشرة كلها، وليس اقتصارها فقط على المدن الرئيسة الثلاث.

أما الأهم من ذلك كله فهو ضرورة أن تقوم الجمعية بتفعيل عمل أعضائها بشكل يثري برامجها ومشاريعها المختلفة من تخصصاتهم الفنية والعلمية، خاصة وأن أعضاء الجمعية يحملون همّ حماية المستهلك، وهم مستهلكون في نهاية الأمر، وكذلك يجب على الجمعية الاستفادة بشكل مبتكر من جمهور المتطوعين، خاصة من الشباب والفتيات، كما هو موجود في الجمعيات الدولية المماثلة، وتفعيلاً لما هو موجود في الموقع الإلكتروني للجمعية، وليس مجرد بناء قاعدة بيانات لا يستفاد منها.

للأسف فقد جمهور واسع من المستهلكين ثقتهم في هذه الجمعية الوليدة، والتي ما يزال تحركها إعلامياً فقط، دون الدخول والتأثير الحقيقي على مشاكل المستهلكين، وضعفهم الشديد أمام تكتلات التجار والموزعين. لكننا ما نزال نعول الكثير على المجلس الجديد؛ لتحويل كل هذه الأقول والوعود المنتناثرة هنا وهناك إلى عمل حقيقي، إلى نتائج واضحة يستطيع المستهلك السعودي أن يتلمس أثرها عليه مباشرة، دون بهرجة إعلامية، وهذا هو جوهر وهدف الجمعية الأساسي.