أكتب هذا الأسبوع من العاصمة الأميركية واشنطن، وهي تستعد لإعصار "ساندي" القادم إليها من الجنوب، بعد أن عصف بدول عديدة في البحر الكاريبي، وولايات الجنوب الأميركي، وتسبب في قتل العشرات وتخريب الشواطئ والممتلكات الخاصة. ويبدو أن أضرار هذا الإعصار ستكون أقسى بكثير من الأعاصير السابقة؛ لأنه سيصطدم بعاصفة شديدة قادمة من كندا، ومن المتوقع أن يكون التصادم، على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، مدمرا وسريعا.

وفوق هذه العواصف، تعيش واشنطن في عين عاصفة سياسية، فهي في قمة الموسم الانتخابي، حيث تتم الانتخابات العامة يوم الثلاثاء القادم 6 نوفمبر. وسينتخب الأميركيون يومها ليس فقط رئيس الجمهورية، بل جميع أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، و(11) حاكم ولاية، وعددا أكبر من المسؤولين الآخرين.

وتبدو عاصفة السياسة وقد اصطدمت بالإعصار بالفعل، فقد ألغى المرشحان عددا من الفعاليات التي كانت مقررة سلفا في مناطق أصبحت في مسار الإعصار ومن الضروري إخلاؤها. واضطرت بعض الولايات إلى إلغاء التصويت المبكر للسبب نفسه. ولكن التحدي الأكبر سيكون لحملة الرئيس أوباما، الذي قد يُلام، حقا أو بغير حق، على هذا الإعصار، خاصة إذا تسبب في خسارة كبيرة في الأرواح، أو كان هناك تقصير أو فشل واضح في التعامل معه.

وفي سباق محموم يصبح كل شيء جائزا، وسباق هذه السنة محموم بمعنى الكلمة، فبعض استطلاعات الرأي تُرجّح فوز أوباما، وبعضها يرجح فوز رومني، ولكن الفرق بينهما ضئيل في كلتا الحالتين. ولكن هذه الاستطلاعات قد تُعطي انطباعا خاطئا، لأن هامش الخطأ فيها أكبر من الفروق بين المرشحين، ولذلك فإنه لا يُعتدّ بها. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الاستطلاعات تقيس فقط ميول المواطنين بشكل عام، أو ما يسمى بـ "الصوت الشعبي"، ولكن ما يُعتدّ به في الانتخابات الأميركية هو أصوات "الكلية الانتخابية"، وهي قد تختلف عن الصوت الشعبي. وثمة حسبة معقدة في الانتخابات الأميركية، فقد يفوز رئيس بأغلبية الصوت الشعبي، ولكنه يخسر صوت الكلية الانتخابية ويخسر الانتخابات بذلك. ولعلك تذكر ما حدث في انتخابات عام 2000، حين فاز "آل جور" بأغلبية الصوت الشعبي، ولكن بوش فاز؛ لأنه حصل على أغلبية أصوات الكلية الانتخابية. فمن الناحية الرسمية انتخاب الرئيس الأميركي ليس انتخابا مباشرا بالمعني المعتاد.

والتعقيد الأكبر هو في اعتماد النظام الانتخابي لقاعدة "الفائز يأخذ الكل"، بمعنى أن المرشح الذي يفوز بأغلبية بسيطة في ولاية معينة، يأخذ جميع أصواتها. وهذه القاعدة تؤثر تأثيرا كبيرا في إستراتيجية المرشحين. فقد أصبح الآن كل مرشح على علم بالولايات التي سيكسبها بالأغلبية، ولهذا لا يحتاج إلى أن يركز عليها في حملته الانتخابية. فلو زرت نيويورك أو كاليفورنيا هذه الأيام، لما رأيت أثرا للانتخابات، وربما ظننت أن البلد لا يمر بحملة انتخابية، ذلك أن هاتين الولايتين تعتبران مؤكدتين للرئيس أوباما. وبالمثل لو كنت في ولاية جورجيا أو الاباما، فلن ترى حملة انتخابية تُذكر، لأنهما مؤكدتان لرومني.

ولذلك فإن الحملات الانتخابية تُركّز على الولايات التي لم تحسم أمرها بعد، وهي تختلف من عام إلى آخر، ففي هذا الموسم ما زالت ولايات أوهايو، ويسكانسون، وفلوريدا تعاني من كونها ما زالت "ساحة حرب" بين المرشحين.

ومن حُسن حظ أوباما، أنه تلقى مؤخرا عددا من الأخبار السارة، وإن كان ذلك جاء متأخرا بعض الشيء، بعد أن حدد معظم الناخبين اختياراتهم.

فمن تلك الأخبار أن الرئيس تلقى هذا الأسبوع دعم أكبر الصحف الأميركية له. فقد أعلنت كل من "نيويورك تايمز"، "واشنطن بوست"، "لوس أنجلوس تايمز"، "ميامي هيرالد" وغيرها اختيارها الرئيس أوباما. ومما يُثير الاستغراب أن صحفا جمهورية الهوى قد رشّحت أوباما كذلك، مثل "شيكاغو تريبيون" و"سولت ليك تريبيون" والأخيرة من ولاية يوتاه، وهي ولاية تدعم رومني بقوة.

ومن الأخبار السارة لحملة أوباما، أن الاقتصاد الأميركي بدأ في الانتعاش، فقد أُعلن هذا الأسبوع أنه ينمو بنسبة 2% سنويا، وهو معدل إيجابي، ولكنه ما زال ضعيفا. ومما قد يكون أكثر أهمية أن معدل البطالة قد انخفض كثيرا عما كان عليه عندما تولى أوباما الرئاسة، إذ بلغ نسبة (7.8%) في شهر سبتمبر، مقارنة بنسبة (10.5%) منذ أربع سنوات.

على أنه من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات الأميركية، فخلال الأسبوع المتبقي قبل موعدها في 6 نوفمبر، قد يحدث أي شيء يمكن أن يغير نتائجها. فكما أسلفت، فإن إعصار ساندي قد يُسبب بعض المصاعب لأوباما. ثم هناك الأخطاء غير المقصودة والهفوات، وكان منها الكثير في هذه الانتخابات، والتي قد تؤثر فيها. أما أرقام البطالة التي تخص شهر أكتوبر فإنها ستُعلن في 2 نوفمبر، أي قبل الانتخابات بأربعة أيام، وهو ما قد يؤثر في عدد محدود من الناخبين الذين لم يحزموا أمرهم.

وأخيراً، ماذا تعني هذه الانتخابات لمنطقتنا؟ خلال وجودي في واشنطن، شاركتُ في المؤتمر السنوي عن العلاقات العربية الأميركية، والذي ينظمه مجلس العلاقات العربية الأميركية. وقد طُرح خلال كثير من الجلسات، سؤال عن مدى تأثير الانتخابات الأميركية على القضايا العربية. وكان ثمة إجماع أنه سيكون لها أثر ملموس على السياسات الداخلية الأميركية، أما في العلاقات مع المنطقة، فإن تأثيرها سيكون محدودا. ففي المدى القصير، قد يكون هناك تغييرات تتعلق بالأسلوب والأولويات، ولكن السياسة الأميركية ستظل ثابتة إلى حد كبير، وما يمكن أن يؤثر فيها ليس الانتخابات، بل ما يتم على الأرض في دول المنطقة، أي أننا نحن من يحدد السياسة الأميركية في نهاية الأمر.