ولم يقتصر دور الحيوانات الملهمة على الرياضة بل إن السياسة هي المجال الأرحب، فالحمار هو رمز الحزب الديمقراطي الأمريكي، وتعود "حميرته" إلى مؤسسه الرئيس "أندرو جاكسون" الذي قلب سخرية خصومه منه وتصويرهم إياه بالكاريكاتير حماراً لعناده فأطلق عبارته الشهيرة: "شرف لي أن أكون حماراً في خدمة شعبي ووطني"!

وآخر خلفاء بني أمية/ "مروان بن محمد" لقِّب بـ"الحمار"؛ ليس لأنه لم يكمل تعليمه الثانوي بل لأنه عنيد في الحرب، صبور في السلم! وأصبر وأعند منه "طه حسين"، الذي يدين للحمار بالفضل في إكمال تعليمه؛ حيث خصص له والده جحشاً "ابن ناس" يحمله صباحاً إلى الكتاب ويبقى في انتظاره حتى نهاية اليوم الدراسي؛ وتعبيراً عن الامتنان له كانت أشهر أغنية في مصر "بحبك يا حمار"! لكنه لم يكن أشهر من "حمار الحكيم" الذي ألهم عم المسرح العربي/ "توفيق الحكيم" مسرحية "الحمير"، وتحكي قصة "حمار" قرر أن يتعلم في مدرسة نظامية مع من لا يحملون أية علامة فارقة عنه سوى أنهم من نسل "آدم" و"حواء" عليهما السلام! وقد اعتمد ليقنع مدير المدرسة بقبوله على ثغرة قانونية لا ينتبه لها إلا عبقري وهي: أن نظام التعليم لا ينص على تعريف محدد للتلميذ؛ فكل من استطاع حمل "الأسفار" والتزم بالحضور، وجلس مؤدباً في "تخته"، وحل الواجبات، ونجح في الاختبارات الشفوية والتحريرية بالإملاء على صاحبه المترجم الفوري له: فمن حقه قانوناً أن يحصل على الشهادة! وهات لي حماراً يرخي أذنيه بين يدي "أبلا/ نانسي" ولا يتعجرم وهي تقول له:"شاطر شاطر"؟؟

أما لو ـ التي تفتح عمل إبليس المرجوم هذه الأيام على الأقل ـ عمل باقتراح "الأخ/ أنا" وشكل فريق لكرة "القلم" فلن تجد شعاراً له أجمل من "دجاجة" ترقد على بيضها وتتأمل شروق الشمس مترنمة: "طلعت يا ما أحلى نورها"! وسبقاً للظنون السيئة التي ستربط ذلك بالجبن والتدجين مع وفرة الإنتاج، لا بد أن تحكي موقف الإمام/ "أحمد بن حنبل" الذي ثبت على رأيه في قضية خلق القرآن خمسة عشر عاماً كان يجلد خلالها حتى يغمى عليه! ولولا الانشغال بجهاد الروم لواجه حكم القتل ردة لأنه "مشرك"؛ كما حكم زعيم المعتزلة "أحمد بن أبي دؤاد" وكان الوزير الأول للمأمون والمعتصم! بل صدق أو لا تصدق: أن يعصر الزميل/ "أبو عيون وساع ـ الجاحظ ما غيره" عقله الكبير ليفتي بقتل من ينكر خلق القرآن؟

لقد واجه الإمام/ "أحمد" كل ذلك بفضل دجاجة؛ إذ كان يبكي خوفاً من التعذيب حين مر به "حرامي دجاج" فقال له: لقد تحملتُ شهراً في السجن وعشرين سوطاً في اليوم من أجل فرخةٍ سرقتها! وأنت أشرف مني، وبضاعتك أعظم من بضاعتي، وما هو إلا السوط الأول ثم لا تشعر بشيء!!