لا شك في أن احترام القانون يعد ثقافة إنسانية تزرع في أفراد المجتمعات عبر المثل السامية التي يتوارثها، وعبر فهم واع للأنظمة المكتوبة التي تضمن حياة متماسكة وآمنة يكون فيها المجتمع بتكاتفه الداعي الأول لضرورة تطبيق الحدود والجزاءات بعدالة وإنصاف.
إن التطبيق الواقعي للمثل والأخلاق الإسلامية، في أي مجتمع، لا يمكن أن يأتي فقط من خلال التزام الأفراد بالعبادات والشعائر الدينية المختلفة، بل لا بد أن يأتي كذلك من خلال تعاملهم الحياتي مع المحيط بكل مواقفه وأحداثه وأفراده، فالأفراد الذين لا تنهى صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، لا بد من أن يكون فهمهم وتطبيقهم للدين ناقصا وزائغا عن المعنى الحقيقي له.
لقد أحزن قلبي ذلك المشهد الذي نقل للعالم، والمتمثل بالهجوم البشري الذي تلا الانفجار المدمي الذي حدث في الرياض يوم الخميس الماضي، والذي ذهب ضحيته أكثر من 22 مواطنا ومقيما، وأكثر من 130 مصابا إثر انفجار شاحنة غاز وهو المشهد الذي يظهر العشرات وهم يهجمون على ركام مبنى الشركة التي تعرضت لأكبر الأضرار وينهبون الألبسة والهدايا وربما المال والعتاد في تصرف لا يمكن تشبيهه إلا بتلك الطيور التي تنهش في جسد الضحية وتقطعها إربا.
روى لي أحد الأصدقاء بأنه قرر أن يستقل سيارة أجرة في مدينة الرياض بدلا من الذهاب بسيارته لمبنى الوزارة التي كان ينوي الذهاب إليها وذلك تجنبا لإشكالية عدم إيجاد موقف قريب من مبنى الوزارة، وقد التزم سائق الأجرة بالوقوف كما يقول في الإشارتين الأولى والثانية من الطريق، في حين أنه فوجئ بقيامه وبكل عدم مبالاة بقطع الإشارة الثالثة، وعندما استهجن صديقي موقف السائق اللامبالي رد عليه بكل ثقة (مافي خوف صديق،، هدا إشارة مافي ساهر)!
الموقفان السابقان يوصلان إلى أن تطبيق القانون في أي مجتمع يكون أمرا سهلا في حال كان في كل شارع جهاز لساهر، وعند كل حادث مروري أو غيره عشرات رجال الأمن، في حين أن من الصعب جدا تطبيق القانون في ظل غيابهم، وهو الأمر الذي قد يؤشر إلى أن لدينا في المجتمع مشكلة كبيرة في وعينا بأهمية القانون نتيجة وجود خلل في الثقافة التربوية، التي ربما تفضل تربية الأجيال عن طريقة الخوف من القانون، بدلا من نظرية فهم أهمية القانون.
سائق الأجرة الآسيوي والجموع البشرية الناهشة هما وجهان من أوجه الخزي الذي يعيب بعضا من ملامح مجتمعنا، وإن كنت على ثقة بأن من هم على شاكلة هؤلاء أقلية إلا أن الأقلية طالما كانت قادرة على إحداث الفوضى في أي مجتمع، فلنكف عن تهميش مثل هذه المواقف، ولنبدأ في معالجة بعض أوجه الانفصام في ثقافتنا.