وسط زحام المشاهد السلبية والمؤلمة التي شاهدناها بعد حادثة الانفجار الأليم الذي تسببت به ناقلة غاز في شرق الرياض الأسبوع الماضي، كان ثمة مشهد يحكي كثيرا من الإيجابية ويدعو لكثير من التفاؤل، وفي ذات الوقت التساؤل.

ذلك المشهد يتلخص في صور أولئك الشباب الذين تدافعوا على موقع الحادث وقدموا المساعدات في إنقاذ المصابين، بينما توجه بعضهم للمستشفيات التي استقبلت حالات المصابين لكي يتبرعوا بالدم.. هذه المشاهد بالتأكيد لا تلغي أبدا اللقطات المؤلمة التي تكشف حجم الانفجار وقوته، وحجم الأضرار التي لحقت بالأرواح والممتلكات.

في كل دول العالم يمثل المتطوعون الجناح المهم والأبرز في كل مؤسسة ذات نشاط يتعلق بالأعمال الميدانية كالإسعاف والصحة والنظافة وخدمة المسنين والأطفال، والفعاليات الجماهيرية، بل تمتلك كل مؤسسة مركزا تدريبيا لاستقبال المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم، بينما واقع التطوع لدينا لا يزال يتحرك في دوائر ضيقة جدا لا تخرج عن فعاليات يسيرة بعيدة عن المفهوم المدني للتطوع، وهذه أبرز أسباب تراجعه.

كارثة سيول جدة كانت أبرز الفترات التي عرفنا فيها واقع التطوع وأهميته. كان المتطوعون مؤثرين جدا في مسار الأحداث، خاصة بعد وقوع الكارثة، فقد أسهم المتطوعون في توزيع الكثير من الإعانات وأشكال الدعم للمتضررين والمساهمة في أماكن الإيواء التي أقامها الدفاع المدني. وقد تبع تلك الأحداث نقاش مستفيض في الإعلام السعودي عن أهمية التطوع.

إلى الآن، لا توجد جهة يمكن القول إنها تمثل مرجعية لتنظيم عمل التطوع وتنميته في السعودية، لا على مستوى الممارسة ولا على مستوى التوعية الثقافية بأهميته، مع أن الواقع يفرض أن يضم الهلال الأحمر السعودي، والمديرية العامة للدفاع المدني، ووزارة الصحة وغيرها من القطاعات إدارات مستقلة لاستقبال وتنمية الراغبين في التطوع وإقامة الحملات التوعوية التي تحث على ذلك.

في كثير من بلدان العالم يحصل المتطوع على كثير من الخدمات والتسهيلات والتخفيضات تمثل نوعا من التحفيز والتكريم له لقاء ما يقوم به من جهود، وتنشط الشركات والمؤسسات الرسمية في الحصول على المزيد من تلك التسهيلات وتقديم بطاقة للمتطوع تمكنه من الاستفادة من كل ذلك.

إن غياب رؤية خاصة بدعم العمل التطوعي وتنميته، دليل غياب الوعي المدني لدينا. إننا نرحب بمشاهد مثل مشاركة بعض الشباب في توزيع إفطار صائم مثلا، لكن مثل هذه الأنشطة عبارة عن مواقف عابرة ولا تمثل تأسيسا لمفهوم التطوع.

الجهة الأبرز في السعودية التي ترعى مفهوم التطوع وتسعى لنشره وتحويله إلى ثقافة اجتماعية عامة هي شركة أرامكو، حيث تقيم الشركة سنويا الكثير من الفعاليات التي تتضمن دورات تدريبية وورش عمل لا تنطلق من الممارسة القائمة للتطوع، بل تعتمد على رؤى عالمية في هذا الجانب. هذه التجربة التي تقدمها أرامكو تثبت أن في المجتمع السعودي بمختلف شرائحه إقبالا واسعا على التطوع وسعيا للالتحاق به متى ما وجد المتطوعون المؤسسات التي تقوم على ذلك وتوفر مناخاته الملائمة.

يمكن التوجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية على أنها المؤسسة الرسمية الأنسب لتبني التطوع كتنظيم وكثقافة وكتفعيل في الأوساط الاجتماعية، لكن ذلك ليس كل شيء، بل يجب على بقية الجهات أن تجعل التطوع جزءا من بنيتها التنظيمية، وأن تقيم المراكز التي تستقبل الراغبين في التطوع، وأن يحصل المتطوع على كثير من الحوافز والمميزات التي تمنحه شيئا من التكريم.

إن وجود متطوعين في الدفاع المدني أو في الهلال الأحمر السعودي لا يعني ضعف هذه الأجهزة، ولا يعني نقصا في كوادرها، فالتطوع ثقافة قائمة بذاتها ولها أبعاد مدنية ووطنية وإنسانية واسعة.

إن الشباب السعودي الذي يفتقد في حياته اليومية لمختلف الأنشطة التي يمكن أن يفرغ فيها طاقاته الإيجابية ويمكن أن يحول فيها طاقاته السلبية إلى إيجابية، بحاجة ماسة جديدة لتفعيل هذا الجانب في حياته وفي تحويله إلى عنصر مهم في بناء شخصية الإنسان السعودي المتحضر.